فروع ثلاثة عشر 
الأول : قال صاحب الطراز : وسع  مالك     - رحمه الله - في مختصر ما ليس في المختصر في ترك ذلك لمن كان منفردا ، وقال   الحسن بن صالح     : يشرع في العشاء ، وقال  النخعي     : في سائر الصلوات ، واستحسن الأول بعض أصحابنا لمن كان وحده أو لمن معه ممن ليس بنائم قال : وهو فاسد ; لأن الأذان متبع على مشروعيته  ، ألا تراه يحيعل وإن كان وحده ، ويحمل قول  مالك  على أنه لا يبطل الأذان ، قال  المازري     : واختلف المذهب هل يقال مرتين قياسا على التكبير أو مرة ؟ لأنها مختصة فيكون مرة كقولنا قد قامت الصلاة . 
الثاني : التثويب بين الأذان والإقامة  ، قال صاحب الطراز : هو عندنا غير مشروع خلافا ح ، محتجا بأن  بلالا  كان إذا أذن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله ، وأنكر ذلك أصحاب   الشافعي  ، ورووا أن  عمر  لما قدم مكة  جاء   أبو محذورة  وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على   [ ص: 47 ] الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح . فقال له  عمر  رضي الله عنه : ويحك أمجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوت ؟ ما نأتيك حتى تأتينا   . ولو كان ذلك سنة لم ينكره ، وكرهه  مالك  وكره تنحنح المؤذن عند الفجر    ; ليعلم الناس ويركعون ، وروي أنه حدث في زمان  معاوية  أن المؤذن إذا أذن على الصومعة دار إلى الأمير واختصه بحي على الصلاة إلى حي على الفلاح ، ثم يقول : الصلاة الصلاة يرحمك الله ، وأقر ذلك   عمر بن عبد العزيز  ، وأجازه   ابن الماجشون  في المبسوط ، وذكر في صفة التسليم السلام عليك أيها الأمير ، ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح ، والصلاة يرحمك الله قال : وأما في الجمعة فيقول : السلام عليك أيها الأمير ، ورحمة الله وبركاته قد حانت الصلاة قد حانت الصلاة ، وعادة أهل المدينة   تأبى هذه المحدثات . 
فائدة : التثويب  من قولهم ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض ، والبيت مثابة للناس أي : مرجع لهم ، قال  الخطابي     : أصله الإعلام يقال : ثوب إذا لوح بثوبه ، وللفرق بين ثاب وتاب معجما ومهملا أن الأول للرجوع ، والثاني للإقلاع ومنه التوبة من الذنب أي : الإقلاع عنه . 
الثالث : أنكر في الكتاب التطريب في الأذان  ، قال  ابن القاسم     : ما رأيت أحدا من مؤذني المدينة  يطرب ، يعني العمل على خلافه ، والتطريب من الاضطراب الذي يصيب الإنسان من الخوف أو الفرح ، مشبه بتقطيع الصوت وترعيده   [ ص: 48 ] بذلك ، وكرهه لما فيه من التشبيه بالغناء الذي ينزه التقرب عنه . وفي الجواهر قال  ابن حبيب     : وكذلك التحزين بغير تطريب ، ولا يبالغ في المد بل يكون عدلا . قال صاحب الطراز : والسنة أن يكون محددا عاليا . 
الرابع : أنكر في الكتاب دوران المؤذن والتفاته عن يمينه وعن شماله  ، قال  ابن القاسم  فيه : وبلغني عنه إجازته للإسماع ، وأنكر الإدارة إنكارا شديدا ، وفي الجواهر : لا يحول صدره عن القبلة ، ولم يحك خلافا . وفي الجلاب : لا بأس أن يؤذن إلى القبلة وغيرها مبتدئا وفي أثناء أذانه ، وقال  أبو حنيفة     : إن أذن على المنار فله أن يدور بجميع جسده عن القبلة ، وقال   الشافعي     : لا يترك الاستقبال بوجهه ولا بقدميه كان في منار ، أو غيره ، ويلوي عنقه في حي على الصلاة حي على الفلاح ; ليسمع النواحي ، وقال   ابن حنبل     : يثبت بجميع جسده في جميع أذانه ، وإن كان على المنار لوى عنقه ، واستحب   الشافعي  الاستقبال في الإقامة  أيضا ، وقال  ابن القاسم  في الكتاب : رأيت المؤذنين بالمدينة  وجوههم إلى القبلة ، ورأيتهم يقيمون عرضا يخرجون مع الإمام وهم يقيمون ، يعني أنهم ذرية الصحابة ينقلون عن الآباء والأجداد ، وفي  أبي داود     : رأيت  بلالا  يؤذن ويدور ، ويتبع هاهنا وهاهنا ، وإصبعاه في أذنيه ، وفيه عن  أبي جحيفة  عن أبيه قال : رأيت  بلالا  خرج إلى الأبطح فأذن ، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ، ولم يستدر   . قال  الترمذي     : حديث صحيح ، وعليه عمل أهل العلم . 
 [ ص: 49 ] الخامس : قال في الكتاب : لا يؤذن قاعدا إلا من عذر  إذا كان مريضا يؤذن لنفسه ، وأجاز في الحاوي قاعدا ، وراكبا ، وجه الأول الاتباع للسلف ، والقياس على الإقامة والخطبة ، ولأن الدعاء إلى الله تعالى يقتضي الاهتمام والجلوس تقصير ، الوجه الثاني أن المقصود الإعلام وهو حاصل ، ولأن الأذان من السنن التابعة للفرائض فأشبه نوافل الصلاة . 
السادس : وسع في الكتاب في ترك وضع الإصبعين في الأذنين    . قال  ابن القاسم     : ورأيتهم بالمدينة  لا يفعلونه ، واستحسنه   الشافعي  لما تقدم في الحديث ، وقولنا أرجح ; لأنه لو كان مستحسنا لكان في مسجده عليه السلام ، قال  ابن القاسم     : والإقامة كالأذان . 
السابع : في الجواهر يجزم آخر كل جملة من الأذان ، ولا يصلها بما بعدها  ، ويدمج الإقامة  للعمل في ذلك . 
الثامن : قال في الكتاب : يؤذن على غير وضوء بخلاف الإقامة  ، واختار في المختصر الوضوء وهو اختيار صاحب المعونة ،   والشافعي  لقوله عليه السلام في  الترمذي     : لا يؤذن إلا متوضئ   . وجوابه أن المراد به الإقامة ; لأنها أذان وإعلام بخروج الإمام ومنه قوله عليه السلام في الصحيحين : بين كل أذانين صلاة لمن شاء   . 
فرع : مرتب 
إذا لم يكره الحدث ، فكرهه  ابن القاسم  في العتبية للجنب ، وأجازه  أبو   [ ص: 50 ] الفرج  في الحاوي ،   وسحنون  خارج المسجد ومنشأ الخلاف : هل يكره ذكر الله تعالى لغير ضرورة للجنب أم لا ؟  ففي الصحيحين أنه عليه السلام قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر   . يعني لما في السلام من ذكر الله . التاسع : قال في الكتاب : يجوز أربعة مؤذنين لمسجد واحد    . قال صاحب الطراز : قال  ابن حبيب     : رأيت بالمدينة  ثلاثة عشر مؤذنا ، وكذلك بمكة  يؤذنون معا في أركان المسجد ، كل واحد لا ينقضي بأذان صاحبه ، فأما المسجد الكبير فيجوز أن يؤذن في كل ناحية رجل يسمع من يليه ; لأن كل جماعة يحتاجون للإعلام ، وأما الصغير فتوالي الأذان فيه أبلغ من جمعه بحسب الوقت ، قال  ابن حبيب     : أما الصبح والظهر والعشاء فيؤذنون واحدا بعد واحد  إلى العشرة ، وفي العصر إلى الخمسة ، وفي المغرب واحد فقط ، التونسي يريد أو جماعة مجتمعين فإن تشاحوا ، أقرع بينهم  ، قال صاحب القبس بشرطين : التساوي في الإمامة ، وأن لا يكون صاحب الوقت ; فإنه مقدم وتصح القرعة في المغرب ، وغيرها والأصل فيها قوله عليه السلام : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا    . وقد اختصم قوم بالقادسية  فأقرع بينهم  سعد  ، وكره الحنفية تكراره في مسجد محلة بخلاف الشاغر محتجين بأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة باعتماد كل واحد منهم على أذان نفسه . وجوابه أن من اعتاد الأذان حقق الوقت فلا يختلفون غالبا . 
 [ ص: 51 ] العاشر : قال صاحب الطراز : يفصل بين الأذان والإقامة إلا المغرب  عندنا ، وعند  أبي حنيفة  خلافا لصاحبيه في الفصل بينهما بجلسة كالخطبتين ،   وللشافعي  في الفصل بينهما بركعتين خفيفتين لما في الصحيحين عن  أنس  قال : كنا بالمدينة  إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري يركعون ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها   . وجوابه ما في الصحيحين أنه عليه السلام كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس ، وتوارت بالحجاب وهذا يقتضي عدم الفصل ، وعمل المدينة  يدل على أنه آخر العملين من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
الحادي عشر : قال في الكتاب : لا يسلم في أذانه ولا يرد سلاما  ، لما في ذلك من خروج الأذان عن نظامه ، ولأنه العمل في السلف . 
فرع 
قال صاحب الطراز : فإن عرض له مهم كأعمى يخشى عليه من الوقوع في حفير  ففي الواضحة يتكلم ويبتدئ وهو قول   الشافعي  قياسا على الخطبة ، فإن الكلام فيها ممنوع إلا لضرورة ، وأما التسليم عليه فالمذهب منعه ، قال  التونسي  وعلى القول بأنه يرد إشارة يجوز كالمصلي قال : والفرق أن أبهة الصلاة وعظمتها تمنع من الانحراف في الكلام ، بخلاف الأذان ولذلك منعناه السلام في الخطبة ، وأبحناه في الجمعة قال : فظاهر كلامه أنه لا يرد إشارة ، ونص عليه في مختصر الوقار ، واختلف فيه أصحابنا ، وخرج بعضهم على الجواز جواز التسليم   [ ص: 52 ] عليه ، وإذا قلنا لا يرد مطلقا ، فإنه يرد بعد فراغه كالمسبوق يرد على الإمام إذا أتم صلاته ، وإن لم يكن حاضرا قال : والفرق بين المؤذن والمصلي في الرد بالإشارة أنها ليست سلاما ، وإنما هي بدل البدل إنما شرع عند تعذر المبدل منه والمصلي يتعذر عليه الكلام فشرعت له ، والمؤذن لو سلم لم يبطل أذانه وإن كان مكروها فكان الأحسن التأخير ، حتى يفرغ كما فعل عليه السلام في رد السلام حتى تيمم على الجدار لكراهة ذكر الله تعالى وهو جنب ، قال  ابن القاسم  في الكتاب : فإن تكلم بنى ، قال صاحب الطراز : يريد إذا كان يسيرا ، وسوى فيه بين العمد والسهو ; لأن الإعلام يحصل بخلاف الكثير . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					