الفصل التاسع : في الاستخلاف  
وهو جائز عندنا وعند   ابن حنبل   وللشافعي  قولان ، وفرق ح بين طرو الحدث عليه فيستخلف ، وبين تذكره فقال : إنما يستخلف من أحرم ظاهرا . لنا ما رواه  مالك  أنه - عليه السلام - ذهب إلى بني  عمرو بن عوف     ; ليصلح بينهم فجاءت الصلاة فجاء المؤذن إلى   أبي بكر الصديق     - رضي الله عنه - فقال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم فصلى  أبو بكر  فجاء النبي - عليه السلام - والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف وساق الحديث إلى أن قال : ثم استأخر  أبو بكر  حتى استوى في الصف ، وتقدم - عليه السلام - فصلى ، الحديث . فقد رجع   [ ص: 280 ]   - عليه السلام - إماما بعد  أبي بكر  ، وقياسا على ولاية القضاء وغيرها بجامع تحصيل المصلحة ورفع المنازعة ، حجة المنع ما في الموطأ أنه - عليه السلام - صلى بأصحابه ، فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب فقال لأصحابه : كما أنتم ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف   . جوابه أنه دليل الجواز ونحن نقول به وهذا الحديث حجة على  أبي حنيفة  في أن تقدم الجنابة لم يمنع الاقتداء به ، وإذا صح الاقتداء في الحالتين صح الاستخلاف  فيهما قياسا لإحداهما على الأخرى ، والنظر في محله وصفته وصفة المستخلف وفعله ، فهي أربعة    : 
الأول : محله ففي الجواهر هو إذا طرأ على الإمام ما يمنعه الإمامة ويبطل الصلاة  فالأول كتقصيره عن فرض فإنه يصلي مأموما خلف النائب ، قال  المازري     : ولو حصر عن بعض السورة بعد الحمد لم يكن له عندي الاستخلاف لصحة الصلاة ، والثاني كغلبة الحدث ، أو تذكره ، أو الرعاف الذي يقطع لأجله    . قال صاحب الطراز : وأحوال الرعاف  ثلاثة ، إن كان غير قاطر ولا سائل فخرج أفسد عليهم ، وإن كثر الدم فتمادى أفسد عليهم ، وإن سال ولم يكثر جاز الخروج والبناء . 
الثاني : صفة الاستخلاف  ففي الجواهر : الأولى أن يستخلف بالإشارة فإن استخلف بالكلام فلا شيء عليه ; لأنه بالخروج خرج عن كونه إماما وكذلك قال في الكتاب : إن تكلم فيما لا يبني عليه كالحدث فلا يضرهم ، أو فيما يبني عليه أبطل على نفسه . قال صاحب الطراز : يريد ولا يضرهم . قال : وقال  ابن حبيب     : إن استخلف بالكلام جهلا أو عمدا أبطل عليه وعليهم ، فإن كان ساهيا فعليه فقط وبهذا قال من لقيته من أصحاب  مالك  ، وقال  اللخمي     :   [ ص: 281 ] للمأمومين استخلاف غير من استخلفه الإمام    ; لأنهم إنما التزموا اتباعه ، ولذلك لا يجب القبول على المستخلف قال في الكتاب : إن لم يستخلف يقدموا رجلا يصلي بهم ، فإن قدمت كل طائفة إماما ، قال  أشهب  في العتبية : يجزيهم ، وقد أخطأت الثانية ، كقوم دخلوا على قوم يصلون فصلوا بإمام أساءوا ويجزئهم ، قال  ابن القاسم  في الكتاب : فإن صلوا وحدانا جاز ولا يعجبني ، قال صاحب الطراز : قال   ابن عبد الحكم     : من ابتدأ الصلاة بإمام فأتمها فذا أو أفذاذا فأتمها بإمام  أعاد ، والأول بين فإن الجماعة فضيلة لا شرط ، وألحقها   ابن عبد الحكم  بالنافلة فتعين بالشروع ، وجوابه أن الفضيلة التي التزموها فاتت بفوات سببها كالنافلة إذا فاتت بغير تفريط ، قال : فلو أشار إليهم عند الخروج أن امكثوا فظاهر المذهب جواز الاستخلاف لهم ، وقال  ابن نافع     : ليس لهم ذلك للحديث الوارد في خروجه - عليه السلام - لما ذكر الجنابة ، والحديث غير متفق عليه فروى  مالك  أنه - عليه السلام - كبر وكبروا ، وغيره لم يذكر ذلك ، وروى  أبو داود  أنه - عليه السلام - قام في مصلاه فانتظر أن يكبر فانصرف ، ثم قال : كما أنتم ، قال  مالك     : وهذا الحديث خاص به عليه السلام ; لأنه - عليه السلام - أوجب تقدم تكبيرة الإمام وهي هاهنا متأخرة ، وفي الجواهر إن صلوا وحدانا في الجمعة  بطلت على المشهور سواء عقدوا معه ركعة أم لا . قال صاحب الطراز : وينبغي له إذا أحدث أن يضع يده على أنفه ويخرج ولا يتكلم يوهم أنه رعف ، وتنقطع عنه الظنون ، وهو مروي عنه - عليه السلام - في  مسلم   [ ص: 282 ] يستخلف من الصف الذي يليه لقربه من التقدم إلى مقام الإمام ، ولذلك قال عليه السلام : ليليني منكم أولو الأحلام والنهى   . فإن قال : تقدم يا فلان ، قال : نعم ساهيا ، قال  ابن حبيب     : سجد بعد السلام ، قال : فإن قيل ينبغي ألا يسجدوا معه ; لأنه سهو قبل الاقتداء قلنا : إذا وقع الاقتداء اتصل بالأول كالمسبوق في سهو المتقدم عليه ، فإن تقدم غير المستخلف فصلى المقدم خلفه ، قال   سحنون     : يجزيهم ; لأن المقدم لا يكون إماما حتى يشرع في عمل الصلاة ، ويتبع ، ولو قال : تقدم يا فلان وهو اسم لاثنين فتقدم غير المراد أو تقدما بطائفتين أجزأ على قول   سحنون  ، إلا في الجمعة  إذا تقدما ; لأنه لا جمعتان في موضع  ، ويتعين أسبقهما فإن استويا لم يجز واحدا منهما فإن استخلف ، ثم عاد بعد زوال العذر لم يتبع وله إخراجه ، فإن أخرجه قبل أن يحرم لم يجز وتفسد صلاتهم إن اتبعوه ، وصلاته إن أدى دخوله إلى الجلوس بعد ركعة ونحوه مما لم يجز للمنفرد ، وإن أخرجه بعد الإحرام فكرهه  ابن القاسم  وينبغي إذا تمت صلاته أن يشير إليهم حتى يقضي لنفسه ، ثم يسلم ويعضده حديث  أبي بكر     - رضي الله عنه - وأما لو أحدث الثاني فقدم الأول جاز ، وقال  يحيى بن عمر     : لا يجوز وفعله - عليه السلام - مع  أبي بكر  خاص به ، قال صاحب الطراز : يجوز ; لأنه لا بد أن يجدد نية الإمامة فهو كسائر الجماعة ، ولهذا يلحقه   [ ص: 283 ] سهو خليفته الكائن قبل رجوعه ولو أخرج خليفته على الكراهة في ذلك فله رده وأن يخرج لترك المكروه ، كما فعل   الصديق     - رضي الله عنه - ولو أخرجه وبنى على صلاة نفسه دون صلاة خليفته ، قال  ابن القاسم     : عليهم الإعادة اتبعوه أم لا ; لأنهم تركوا اتباع إمامهم من غير استخلاف . 
الثالث : صفة المستخلف  ، وفي الجواهر لا بد أن يكون تصح إمامته ، وانسحب عليه حكم الإمام قبل طرو العذر وما يفعله بعد الأول يعتد به من صلاة نفسه ، فأما من أحرم بعد العذر إن استخلفه على ركعة أو ثلاث بطلت صلاته ; لجلوسه في غير موضع الجلوس وهو أحرم بالصلاة لنفسه ، وإن استخلفه على ركعتين فصلاته تامة ، وقال  ابن حبيب     : إن قدمه في أول ركعة فصلاته صحيحة وتبطل صلاتهم ، وإن كان بعد ركعة فأكثر يعمل على بناء صلاة الأول بطلت صلاته وصلاتهم ، قال صاحب الطراز : وظاهر المذهب أنه لا يصير خليفة حتى يتبع ، فلو أحدث عامدا أو تكلم عامدا بعد قوله يا فلان صل بالناس أو قبل الاتباع لم تفسد عليهم ; لأن الحاصل قبل ذلك إنما هو اعتقاد الاتباع فليس بإمام ، قال  ابن القاسم  في العتبية : إذا سأل بعد الاستخلاف كيف يصنع  بطلت صلاته وصلاتهم ، ومن دخل معه بعد الرفع تبطل صلاتهم إن استخلف ، واتبعوه عند  ابن القاسم     ; لأنه متنفل ، وقال  يحيى بن عمر     : تجزيهم ; لأنها تعينت عليه حتى لو تركها فسدت صلاته . وفي الجواهر إذا أم مسافر بالفريقين فليستخلف مسافرا ; لأن صلاة المقيم خلف   [ ص: 284 ] المسافر  أخف من المسافر خلف المقيم ، فإن قدم مقيما لم يقبل وقدم مسافرا فإن قبل جاهلا وأتم صلاة الإمام سلم المسافرون أنفسهم ، وقيل يستخلفون مسافرا يسلم بهم ، وقيل يثبتون حتى يسلموا بسلامه ، قال  ابن القاسم  في العتبية : إذا صلى برجل وامرأتين فأحدث ، ولم يستخلف فنوى الرجل الإمامة بالمرأتين صحت صلاتهم . 
الرابع : في فعل المستخلف  وفيه فروع أربعة : 
الأول : قال في الكتاب : إذا قدم من فاتته ركعة فصلاها جلس ; لأنها ثانية الإمام ، ويجتزئ بما قرأ الإمام ، قال صاحب الطراز : هذا حقيقة التبعية ، ولأنه بإحرامه خلفه وجب عليه اتباع ما أدرك من غير استخلاف فكيف إذا استخلف حتى لو أحدث الإمام فخرج وليس معه غيره ، جرى على ترتيب ما كان دخل عليه وأخر قضاء ما فاته حتى يفرغ مما أدركه ، وفي بنائه على القراءة ثلاثة أقوال ، ثالثها يفرق بين أن يستخلف فلا يبني ، وبين أن يتقدم بنفسه فيبني ، والمدرك أن القراءة هل يجوز أن يكون فيها إماما ومأموما أم لا ؟ وأنه إذا استخلف انتفى التناقض لطريان السبب فإن ابتدأ الصلاة بإحرام عمدا ، قال   سحنون     : بطلت صلاته وصلاتهم ; لتعديه في إبطال العمل واتباعهم   [ ص: 285 ] له فإنه بمجرد رفضه ، خرج عن كونه إماما ، وإن كانا سهوا وكثرت الزيادة ، فكذلك وإن قلت سجد للسهو وصحت ، فإن قطع بسلام أو كلام وابتدأ فإن اتبعوه بطلت عليهم ، وفي الكتاب إذا أتم صلاة الأول يثبتون حتى تكمل صلاته ويسلم بهم ، وقال   الشافعي     : يسلمون ، قال : ويتخرج على مسألة المسافرين مع الخليفة المقيم أن هؤلاء يسلمون ، وفي الجواهر وقيل يستخلفون من يسلم بهم منهم فإن كان فيهم مسبوق ، قال  أبو الحسن اللخمي     : هو مخير بين أربعة أحوال : يصلي وينصرف قياسا على الطائفة الأولى في صلاة الخوف ، أو يستخلف من يسلم بهم ، أو ينتظر الإمام فيسلم معه ; لأن كليهما قاض والسلامان واحد ، أو ينتظر فراغ الإمام من قضائه ، ثم يقضي . 
الثاني : في الكتاب إذا أحدث وهو راكع يرفع بهم الثاني  ، وقال في المجموعة : في السجود مثله ، وقال  ابن القاسم  في العتبية : يدب الثاني راكعا ، وقال : يرفع فيها رأسه ويستخلف ; لأن بقاءه على تلك الحال يؤدي إلى الاستدامة في الفاسد وهو أهون له في الاستخلاف ، وفي الجواهر لا يكبر ; لئلا يوهم فإن اقتدوا به في الرفع ، قال  أبو الطاهر     : يتخرج ذلك على الخلاف في الحركة إلى الأركان هل هي مقصودة فتبطل أو غير مقصودة فلا تبطل ؟ وقال بعض  [ ص: 286 ] المتأخرين : بل هم كالرافعين قبل إمامهم فيرجعون إلى الركوع مع الثاني ، وفي النوادر يستخلف قبل الرفع ليتصل الاستخلاف بالفعل الصحيح . 
الثالث : قال صاحب الطراز : لو استخلفه على ركعتين فصلاهما فأخبره بترك سجدة من إحدى الأوليين  ، قال   سحنون     : يقوم الثاني بالقوم إن كانوا على شك يصلي بهم ركعة بالحمد فقط ; لأنها بناء ، ثم يجلس ويأتي بركعة قضاء بالحمد وسورة ويسجدون قبل السلام معه ، وقيل يسجد بهم قبل ركعة القضاء فإن تيقن القوم الإتمام ، قال  ابن عبدوس     : لا يتبعونه في الأولى ، وعلى مذهب  ابن وهب  يأتي بركعة بالحمد وسورة ويسجد بهم بعد السلام على قاعدته فيمن ذكر في آخر صلاته خللا في أولها ، ولو شك الأول في السجدة ، قال   سحنون     : يقرأ بالحمد وسورة لاحتمال الصحة فتكون هذه الركعة قضاء وكذلك الثانية ويتشهد في الأولى ; لاحتمال كونها بناء ورابعة الأول ويصلونها معه إن شكوا ويسجدون قبل السلام ، قال : والقياس فيما قاله أن يبني المستخلف إذا شك الأول على أن الفائت ركعة ; لأن الأول لو كان باقيا حينئذ احتسب بركعة فقط فلو لم يخبره بالركعة حتى فرغ ، قال   سحنون     : صلاة المستخلف تامة ويسجد بهم قبل السلام ; لأنه قام في موضع الجلوس وترك السورة ، فإن ثالثته ثانية الأول فإن سلموا أتوا بركعة بالحمد فقط ، وسجدوا للسهو خوفا من زيادتها ، وإن تيقنوا ترك السجدة لم يسجدوا فلو أنه معه من أول الصلاة فاستخلفه على اثنتين ، ثم ذكر السجدة فإن شك معهم صلى بهم ركعة بالحمد   [ ص: 287 ] فقط وسجد بهم قبل السلام ، وإن لم يشكوا صحت صلاتهم ، فلو ذكر الثاني سجدة لا يدري هل هي مما صلى مع الأول أو مما قضي ؟ قال   سحنون     : سجد سجدة وتشهد وأتى بركعتين بالحمد فقط ، وسجد قبل السلام ; لأنه نقص وزاد ويعيد الصلاة لكثرة السهو ، وكذلك قال  مالك  فيمن شك في آخر صلاته في سجدتين من ركعتين ولو أحرم معه في التشهد ، فلما قضى ركعة ذكر الأول سجدة من الأولى ، فإن رجع في وقت يجوز فيه البناء بطلت ركعته ويصلي بالقوم ركعة بالحمد فقط ، ويقضي لنفسه ثلاث ركعات ويسجد بهم قبل السلام ، وإن لم يجز فيه البناء الثاني لم يركع فبنى على ركعته وسجد قبل السلام ، وإن استخلفه على ركعتين فلما صلاهما قال الأول : تركت سجدتين لا أدري من ركعة أو ركعتين فإنه يصلي ركعتين ولا يقوموا في الرابعة معه ; لاحتمال كونهما من ركعة فيصير في الرابعة قاضيا لا يؤتم به ، ولا يرجع الثاني إلى الجلوس ويسجد بهم قبل السلام ، ثم يأتون بركعة بعد سلامه ويسلمون ، ويسأل الأول فإن ذكر أنهما من ركعة أجزتهم فإن كانتا من ركعتين أعادوا ; لتركهم اتباع الثاني ، ولو اتبعوه وأعادوا الصلاة لكان حسنا ، ولو لم يرجع الأول حتى يجلس في آخر ركعتي القضاء سجد بهم قبل السلام وأتى   [ ص: 288 ] بعده بركعتين بالحمد فقط ، ولو رجع بعد أن صلى بهم ركعة وقام فذكر له سجدة من إحدى ركعتيه صارت الثالثة ثانية وهو يجلس فيها فيأتي بركعة بناء ، ثم يتشهد ويسجد بهم قبل السلام ، ثم يأتي بركعة قضاء بالحمد وسورة ، ولو قال له ذلك حين قدمه سجد بهم سجدة ، ثم بنى على ركعة ، ثم يعيد من خلفه ; لاحتمال إصابة السجدة موضعها . 
الرابع : في الجواهر لو لم يذكر كم صلى الأول ومن خلفه يعلم ذلك  ، أشار إليهم فيجيبوه بالإشارة فإن لم يفهم ومضى في صلاته سبحوا به حتى يفهم ، فإن لم يجد بدا من الكلام تكلم ، وقال   سحنون     : ينبغي أن يقدم من يعلم فإن تمادى وصلى ركعة فليوهم القيام ، فإن سبحوا به وجلس وتشهد ويوهم القيام ، فإن سبحوا به قام واعتقدها ثالثة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					