[ ص: 512 ] الباب الخامس 
في مبيحات الفطر 
وهي ستة : 
الأول : السفر ، وفي الجواهر : يشترط فيه مسافة القصر ، فلو عزم على إقامة أربعة أيام ، ففي الجلاب : يجب الصوم ، وفي الكتاب : الصوم في السفر أفضل ، وقاله ( ح ) و ( ش ) ; لقوله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم    ) . والفرق بينه وبين القصر وجهان : أحدهما : أن الذمة تبقى مشغولة بالقضاء بخلاف القصر . الثاني : أن الترخيص لرفاهية العيد ، وهي كما تحصل بالفطر تحصل بالصوم مع الناس ، وروي عن  مالك  التخيير ، واستحب   ابن الماجشون   وابن حنبل  الإفطار ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - في  أبي داود     : " ليس من البر الصيام في السفر    " . 
وجوابه : أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه ، فقال : ما هذا ؟ إشارة لهذه الحالة - ؟ 
فإن قالوا : النظر إلى عموم اللفظ لا إلى خصوص السبب . 
قلنا : العام في الأشخاص مطلق في الأحوال ، ونحن نحمل الحالة المطلقة على حالة الضرر . 
 [ ص: 513 ] تمهيد 
الواجب على المسافر والمريض أحد الشهرين : شهر الأداء أو شهر القضاء ، وهو مخير في خصوصيتهما كما أوجبته إحدى الخصال في الكفارة وخير في الخصوصيات ، فكل ما يجزئ كل واحد من الخصال وتوصف بالوجوب إذا فعلت تبرأ الذمة بها ، فكذلك هاهنا ; لأن أحد الأشياء قدر مشترك بينها وأعم من كل واحد منها ، وكل واحد أخص ، وكل من فعل الأخص فعل الأعم . 
فروع ثلاثة : 
الأول : في الكتاب : إذا أصبح صائما في الحضر ثم سافر  لا أحب له الفطر ، فإن فعل فالقضاء فقط - وقاله ( ح ) و ( ش ) ; لقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل    ) - والأمر للوجوب . قال  سند     : قال  القاضي أبو الحسن     : يحمل على الكراهة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرج صائما ، فلما بلغ كراع الغميم أفطر   ; ولأنه عذر يبيح الفطر في أول اليوم فيبيح في آخره كالمرض . وقال  المغيرة     : يكفر لوجوب أوله في الحضر ، فإن أفطر قبل الخروج إلى السفر ، قال  مالك     : عليه الكفارة ، وأسقطها  ابن القاسم     ; لأن  أنسا     - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك ، وأوجبها   ابن الماجشون  إن لم يسافر ، وأسقطها  أشهب  مطلقا لعدم انتهاك صوم معصوم إجماعا . 
الثاني : في الكتاب : من صام في السفر فأفطر متعمدا من غير عذر  فعليه الكفارة ; لأن الله تعالى خير العبد بين الفطر والصوم ، فأيهما اختار لزمه أحكامه ، ومن أحكام الصوم الكفارة على الإفساد ، وفي الجواهر : روي عن  مالك  عدم الكفارة ; لأن وصف السفر مبيح للإفطار فيكون شبهة عند طرو المانع   [ ص: 514 ] في عدم الكفارة ، كالذمي كان مباح ( الدم ) . . . لا يقتل به المسلم ، والأمة مباحة الوطء فإذا وطئها السيد بعد زواجها لا حد ، وأوجبها   ابن الماجشون  في الجماع دون غيره ; لأن الإفطار شرع للتقوية على السفر والجماع يضعف . قال  سند     : وقال مطرف : هو مخير . . . بعد الشروع ; لما في الموطأ : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس بالإفطار عام الفتح ; ليتقووا على عدوهم ; وصام هو - صلى الله عليه وسلم - . قيل له : إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت ، قال : فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكديد دعا بقدح فشرب ; فأفطر الناس   . 
وإذا قلنا : يكفر ، فروى  ابن القاسم  ولو كان متأولا ، ولم يره  أشهب  ، وإن أفطر لعذر فأكل وشرب  فلا شيء عليه وإن جامع بعد ذلك ، وإن جامع أولا ، قال  مالك     : يكفر ; لأنه يزيده ضعفا وأورده على صوم محترم ، وقال  مطرف     : فلا يكفر نظرا للتخير ، فلو شرب لعذر لم يكره له التمادي على أنواع المفطرات  عند   سحنون  كالمريض ، ومنع  ابن حبيب  كالمضطر إلى الميتة . 
الثالث : في الكتاب : إذا أصبح صائما في السفر فأتى أهله فأفطر  ، فعليه القضاء والكفارة ، ولو تطوع فسافر فأفطر  قضى إلا أن يضطر إليه ; لقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم    ) . وفي الجلاب عن  مالك     : لا قضاء عليه ، وطرو السفر كطرو المرض . 
المبيح الثاني : الإكراه ، وفي الكتاب : من أكره على الشرب  عليه القضاء فقط ، وقاله ( ح ) وأسقطه ( ش ) ، وفعل به ذلك قياسا على ذرع القيء ، واختلف قوله : إذا باشره ، وأسقطه   ابن حنبل  إلا بالجماع . قال  سند     : قال  مالك     : إن جامعها نائمة قضت ، قال  ابن حبيب     : في جميع ذلك الكفارة ; لأنه أفسد صومين فيجب عليه كفارتان . فإن أكره رجل على وطء امرأته  ، قال أكثر   [ ص: 515 ] الأصحاب و ( ح ) و ( ش ) : لا كفارة عليه ، وقال   ابن الماجشون   وابن حنبل     : عليه ; لأن الانتشار دليل الاختيار . 
وجوابه : أن الانتشار قد يكون بالطبع لا بالاختيار . 
المبيح الثالث : خوف المرضع على ولدها  ، في الكتاب : إن لم يقبل غيرها أو قبله وعجزت عن إجارته ، أفطرت وأطعمت لكل يوم مسكينا مدا ، وقاله ( ش )   وابن حنبل  ، قال  سند     : قال   ابن عبد الحكم     : لا إطعام عليها قياسا على المريض بجامع الإباحة . لنا قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين    ) قيل المراد بها المرضع ، والحامل ، والشيخ ، وقيل : تستحب ; لقوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه    ) ، وإن خافت على نفسها خاصة  لم تطعم ، وإن استأجرت فمن مالها دون الأب ; لأن إرضاعه عليها ، وقيل : على الأب ، وهذا إذا لم يطق ، وإن كان للصبي مال فمن ماله ، والإطعام خاص بصوم رمضان . رواه  ابن القاسم  في النذر . 
المبيح الرابع : الخوف على الحمل  ، في الكتاب : إن خافت على ولدها فأفطرت لا تطعم ، وتقضي لأنها مريضة ، وقاله ( ح ) ، وقال   ابن حنبل     : تطعم ، وقال  أشهب     : تطعم استحبابا ، وقال   ابن الماجشون     : تطعم في الخوف على النفس دون الولد ، قال  اللخمي     : للحامل ثلاث حالات : إن كانت أول الحمل ولا يجهدها الصوم لزمها الصيام ، وإن كانت تخاف على ولدها من الصوم لزمها الفطر ، وإن خافت على نفسها فقط فهي مخيرة ، وحيث كان لها الفطر فأفطرت فعليها القضاء ، وفي الإطعام أربعة أقوال : الثلاثة السابقة ، وقال  أبو مصعب     : إن خافت على ولدها قبل ستة أشهر أطعمت ، وإلا فلا ; لأنها مريضة . 
 [ ص: 516 ] المبيح الخامس : المرض  ، وقد تقدم تفصيله في الشروط ، قال  سند     : قال  ابن القاسم     : إذا أجهده الصداع من الخواء أفطر ، وأجاز  مالك  من العطش الشديد من غير إطعام . 
المبيح السادس : الكبير العاجز  عند مالك و ( ش ) ; لأنه غير مطيق ، ويطعم عند ( ح ) ; لأنه بدل من الصوم . 
				
						
						
