الفصل الثالث : في إسلامهم ، وفيه أربعة أبحاث : 
البحث الأول : فيما يثبت من عقودهم بعد الإسلام  ، قال  ابن يونس     : وهي عندنا فاسدة ، وإنما الإسلام يصححها ، وفي الجواهر : لا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحا عندنا ، ولو اعتقدوا غضب امرأة أو رضاها بالإقامة مع الرجل من غير عقد أقررناهم عليه ، وقاله ( ش ) ، والضابط أن كل مفسد يدوم كجمع الأختين ، أو لا يدوم لكن أدركه الإسلام كالزواج في العدة فيسلم فيها فهو مبطل ، وما لا فلا ، وقال ( ش ) ،   وابن حنبل     : عقودهم صحيحة . 
تنبيه : واعلم أن قولنا أنكحة الكفار فاسدة مشكل ، فإن ولاية الكافر للكافر  صحيحة ، والشهادة عندنا ليست شرطا في العقد حتى نقول لا تصح شهادتهم لكفرهم ، ولو قلنا إنها شرط وأشهد أهل الذمة المسلمين فينبغي التفصيل أما القضاء بالبطلان على الإطلاق فلا ، وغاية ما في الباب أن صداقهم قد يقع بما لا يحل ، وكذلك المسلمون ، وتختل بعض الشروط أو كلها أحيانا ، وكذلك المسلمون فكما لا يقضى بفساد أنكحة عوام المسلمين وجهالهم من أهل البادية وغيرهم ، بل نفصل ونقول ما صادف الشروط فهو صحيح سواء أسلموا أم لا ، وما لم يصادف فباطل ،   [ ص: 327 ] أسلموا أم لا ، وعلى هذا كان ينبغي ألا يخير بين الأم وابنتها إذا أسلم عليهما ، بل نقول : إن تقدم عقد البنت صحيحا تعينت ، وكذلك لا نخيره إذا أسلم على عشر نسوة بل نقول : إن وقع أربع منها أولا على الصحة تعين ، وكذلك يليق إذا حكمنا بفسادها جملة أن لا نفرق بين الموانع الماضية وما بقي مقارنا للإسلام إذ الكل فاسد ، وقد أقر - عليه السلام - من أسلم على نكاحه ففي  أبي داود     ( أنه - عليه السلام - رد ابنته زينب  على  أبي العاصي  بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا   ) ، وفي الكتاب : لا يثبت من شروطهم بعد الإسلام إلا ما يثبت للمسلم ، وترد إلى ما يجب في الإسلام ، ولا يفسخ النكاح بما لا يجيزونه ، وإن كان يفسخ للمسلم قبل البناء ; لأن الإسلام يقرر عقودهم ، وإذا تزوجها بخمر أو خنزير أو بغير مهر لاستحلالهم ذلك ثم أسلما بعد البناء  ثبت النكاح ، فإن كانت قبضت ذلك الخمر قبل البناء فلا شيء لها غيره ; لأنه من أموالهم حينئذ ، وإلا فلها صداق المثل ، ( وإن لم يبين لها حتى أسلما قبل القبض أو قبضت خير بين صداق المثل ) أو الفراق ; لأنا لا نبيح وطأها بغير صداق ، والفراق بطلقة واحدة كنكاح التفويض في الإسلام ، وقال غيره : إذا قبضت لا شيء لها ; لأنه من أموالها حينئذ كما لو باعت خمرا حينئذ ، قال  ابن يونس     : إذا قبضت نصفه كان لها نصف صداق المثل ، وعلى هذا الحساب إذا بنى ، وإلا فلها الامتناع حتى تأخذ صداق المثل ، وهذا كله إذا أسلما أما إذا أسلمت دونه فسخ النكاح ، ولا شيء له عليها فيما قبضت   [ ص: 328 ] من خمر أو خنزير تغليبا لملكها ، وقيل : عليها قيمة المقبوض ، وإن كان قائما ، وتراق الخمر ، ويقتل الخنزير ; لأنها منعته منه بإسلامها ، قال  ابن القاسم     : ولو أصدقها ثمن خمر فلها قبضه بعد إسلامها ، ولو أصدقها دينا له ربا فأسلما قبل القبض  فلا شيء له إلا رأس المال ; لأنه الذي يستحقه ، ولو كان درهمين ، وأصلها برباها ثلاثة دراهم نظرا لأصلها ، قال  اللخمي     : إذا أسلما قبل البناء ، والصداق خمر  فأربعة أقوال : ما تقدم ، وقال  أشهب     : يعطيها ربع دينار ، وإلا فسخ ، وقال   ابن عبد الحكم     : قيمة الخمر ، وإن أسلمت قبل البناء بعد قبض الخمر  ، قال  ابن القاسم     : ترد قيمة الخمر فاتت أم لا ، وتكسر عليها ، وقال أيضا : لا شيء عليها ; لأنها مستهلكة شرعا ، قال : وأرى رده خمرا ; لأن بانفساخ النكاح يصير ملكا للزوج . 
فرع 
في الكتاب : إذا أسلم مجوسي أو ذمي ، وتحته مجوسية  عرض عليها الإسلام ، فإن أبت وقعت الفرقة ، وإلا بقيت زوجة ما لم يبعد بين إسلامهما من غير تحديد ، والشهر ونحوه قليل ، فإن أسلمت المرأة بعد البناء  فلا يعرض عليها الإسلام ، ولكنه إن أسلم في عدتها كانت له ، وإلا فلا ، قال صاحب الاستذكار ، قال  مالك  في الموطأ : تقع الفرقة إذا امتنعت الوثنية أو المجوسية في الحال ، وقال ( ش ) : ينتظر إسلامها في العدة ; لأن  أبا سفيان  أسلم وأسلمت امرأته بعده بأيام ، ورد - عليه السلام - ابنته زينب  على  أبي العاصي  بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا بعد ست سنين ، وقيل : بعد سنتين ، وعلل ذلك باحتمال تأخر الحيض بقوله تعالى : ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك    ) ( البقرة : 228 ) ، أي : في العدة إجماعا ، وجوابه : أن   [ ص: 329 ] قصة زينب  قبل نزول الفرائض مع أنه ردها بنكاح جديد ، وهو مقدم على الأول ; لكونه زيادة على النفي ، ويحمل قوله : ( ولم يحدث شيئا ) على مثل الصداق الأول ، والأخبار الكثيرة الواردة في إسلام الوثنيين معارضة لقوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر    ) ( الممتحنة : 10 ) ، وقال ( ح ) إن لم يسلم زوجها بعدها فرق بينهما في الحال إن كانا في دار الإسلام ، وإن كانا في دار الحرب بقيت الزوجة حتى تقضي العدة ، وحمل القصص المذكورة على ذلك ، وإن أسلمت المجوسية قبل انقضاء العدة  فهما زوجان ، وإلا فلا ، وقال   ابن حنبل  تقع الفرقة في الحال مطلقا ، والصواب أن المعتبر اختلاف الدين لا اختلاف الدار ، وقبول الإسلام على القرب كما قال في المدونة ، وفيه جمع بين الكتاب والسنة الواردة ، قال صاحب النكت : قال بعض شيوخنا : إذا أسلم مجوسي قبل البناء  لا تبقى زوجته إلا أن يسلم بالقرب جدا ، ويعرض الإسلام على أبوي الصغيرة كعرضه على الكبيرة ; لأنها تسلم تبعا لهما ، فإن لم يكن لها أبوان بقي الأمر موقوفا حتى تعقل ، وإن كانا لا يتوارثان لعدم تعين سبب الفسخ ، قال  ابن يونس     : في كتاب  محمد     : إذا أسلم لا يفرق بينهما حتى تنقضي العدة ، وروى  ابن القاسم  اليومين والثلاثة ، فإن أبت استبرأت نفسها بحيضة ، وقال  أشهب     : إسلامه قبل البناء يقطع العصمة ، وبه أخذ  محمد     . فرع 
في الكتاب : إذا أسلمت قبل البناء تحت مجوسي أو كتابي  بانت منه ، ولا رجعة إن أسلم لعدم العدة ، وإسلام الزوج كالرجعة ، ولا يملك عصمتها بعد العدة في المدخول بها ، والفراق في هذا بغير طلاق لكونه   [ ص: 330 ] متفقا عليه ، وقاله   ابن حنبل  ، و ( ش ) ، وقال ( ح ) يعرض الإسلام على الآخر في دار الإسلام ، فإن امتنع وقعت الفرقة ، وأصله قوله تعالى في اللائي أسلمن دون أزواجهن ( فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن    ) ( الممتحنة : 10 ) ، وأسلم  صفوان  في العدة بعد شهر ، قال  ابن يونس     : وإذا أراد الإسلام فافتدت له على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على إسقاط الرجعة  لا يصح ، ويرد ما أخذه ، والفرق بينه وبين الردة في لزوم الطلاق أن الردة صادرة من مسلم ، والمسلم يلزمه الطلاق ، وقال  اللخمي     : قال  ابن القاسم     : إن لم يسلم فهي طلقة بائنة ، وقول  مالك  أحسن ; لأن الكافر لا يلزمه الطلاق . 
واختلف في العدة فقال  مالك  ،  وابن القاسم     : إذا أسلمت دونه  فثلاث حيض ، وقال  مالك     : تكفي النصرانية يطلقها النصراني حيضة ،  ولابن القاسم  في المجوسية تأبى الإسلام تكفيها حيضة ; لأن الزائد تعبد ، وفي   البخاري     : كانت المرأة إذا هاجرت حتى تحيض وتطهر ، فإذا طهرت حل لها النكاح ، قال  ابن القاسم     : وإذا قالت : حضت بعد إسلامي ثلاث حيض ، وقال الزوج : إنما أسلمت من عشرين ليلة  صدق ; لأن الأصل بقاؤها على الكفر ، ولو وافق على أمد العدة ، وقال : أسلمت قبلك ، أو في العدة ، وأكذبته  ، لم تصدق ; لأن الأصل بقاؤه على حاله ، قال صاحب البيان : المعروف من المذهب إذا أسلمت لا يثبت نكاحه إلا أن يسلما معا ; لأن الكافر لا يكون زوج مسلمة ، والمعروف أن الفرقة فسخ ; لأن الكافر لا يلزمه طلاق ، وإذا لم يعلم بإسلامها في العدة حتى تزوجت : فروي عن   [ ص: 331 ] مالك  استقلالها بالعقد ، فإن أسلم قبلها فهو أحق بها ، ( وفي المدونة هو أحق بها ما لم تدخل ، وروي عنه : استقلالها ) أبدا ; لأنها نصرانية تحت مسلم فلا عدة سواء دخل الأول أم لا ، وقال  ابن وهب  الدخول يفيتها . 
فرع 
قال صاحب النكت : إذا قدما بأمان فأسلم  لم يكن لامرأته الرجوع لبلد الحرب محتجة بالأمان ; لأنها ألزمت نفسها استيلاء زوجها عليها ، وفي الكتاب : إسلام الحربي الكتابي لا يزيل عصمته ، ويكره وطؤه بدار الحرب ، كما يكره الزواج بها خشية على الولد من اتباع الأم ، والمؤمنان كالذميين في إسلامهما ، وإذا أسلم الذمي صبيا وتحته مجوسية  لم يفسخ نكاحه حتى يثبت على إسلامه بعد البلوغ ، فتقع الفرقة إلا أن تسلم هي ; لأنه لو ارتد حينئذ لم يقتل ، وإذا وجبت الفرقة بين المجوسيين قبل البناء فلا صداق ولا متعة ; لأن الفرقة من قبلها ، وإذا تزوج صغير بغير إذن أبيه ثم أسلم بعد البلوغ  ثبت عقده ; لأنه شيء مضى ، وكذلك لو تزوج المبتوتة قبل زوج ، وإذا أسلم العبد وتحته أمة نصرانية  فسخ كالمجوسية إلا أن تسلم في العدة ; لأن المسلم لا يتزوج الكتابية ، قال  اللخمي     : قال  أشهب     : لا يفرق بينهما لعدم الخطاب حالة العقد لطريان الطول على الأمة المؤمنة ، قال  اللخمي     : وإسلام أحد الزوجين في سن عدم التمييز لا يؤثر فراقا ، وفي الإثغار فما فوقه قيل : يلحق بالبالغ ، وقيل : لا ، قال  ابن يونس     : إذا عقد على أربع في العدة ثم أسلم عليهن بعد العدة ثبتن ، قاله  ابن القاسم  وأشهب  ، بنى بهن أم لا ، وقبل العدة فارقهن لقيام المانع ، وعليهن ثلاث   [ ص: 332 ] حيض إن مسهن أو بعد عدة بعضهن ، فارق ما فيه العدة ، كن في عقد واحد أم لا ، بنى بهن أم لا ، ولا يثبت نكاح المتعة إذا أسلم بعد الأجل ، وإلا فلا ، قال  اللخمي     : ولا يختلف أنهم مخاطبون بالإصابة حال الكفر في حرمة المصاهرة . البحث الثاني : في النفقة ، والسكنى ، وفي الجواهر : إذا أسلم قبلها ثم تخلفت  لم تستحق نفقة لمدة التخلف ; لأن الامتناع منها ، وإن أسلمت وتأخر ثم أسلم  ، قال  ابن القاسم     : لها النفقة في العدة حاملا أو حائلا ; لأن له الرجعة ، وقال أيضا : لا نفقة لها لامتناعها بإسلامها ، قال : وهو أحسن عند أهل النظر ، وفي الكتاب : لو بنى بها وهما مجوسيان أو ذميان فافترقا لإسلام أحدهما وتأخر حيضها  فلها السكنى ; لأنها معتدة منه ( وإن كان فسخا ) . البحث الثالث : في اختياره من العدد ، وفي الكتاب : إذا أسلم على أكثر من أربع  اختار أربعا كن أوائل العقود أو أواخرها ، ويفارق الباقي لما في  أبي داود     : ( قال  قيس بن الحارث     : أسلمت وتحتي ثماني نسوة ، فأتيت النبي - عليه السلام - فقلت له ذلك ، فقال : اختر أربعا منهن   ) ، ووافقنا ( ش ) ، وقال ( ح ) : إنما يختار من تقدم عقدهن لفساد ما بعده ، وجوابه : أن المفسدات التي لا تقارن الإسلام لا نعتبرها ، ويدل على ذلك أنه - عليه السلام - أمر بالاختيار في إنشاء حكم وتأسيس قاعدة ،   [ ص: 333 ] فلو كان ذلك معتبرا لذكره ; لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، قال  مالك     : وكذلك الأختان يفارق إحداهما لما في  الترمذي     : ( أن فيروز الديلمي  قال : أسلمت وتحتي أختان فقال له عليه السلام : فارق أيتهما شئت   ) ، قال  ابن يونس     : قال  محمد     : والمجوسي يختار كالكتابي ، قال  ابن حبيب     : ويعطي لمن فارقها قبل البناء نصف صداقها ; لأن الفراق باختياره ،  وابن القاسم  يمنع ذلك ; لأنه عنده فسخ ، قال  محمد     : فإن لم يختر حتى مات جميعهن فللمدخول صداقها ، ولغير المدخول خمس صداقها إن كن عشرة ; لأن عليه أربع صداقات تنقسم على عشرة ، ويسقط نصف ذلك لعدم الدخول ، وكذلك لو طلقهن أو بعضهن غير معين فلكل واحدة خمس صداقها قبل البناء ، فإن طلق معلومة لم يختر من البواقي إلا ثلاثا ; لأن الطلاق اختيار ، أو مجهولة ثلاثا ، بطل اختياره لاختلاط الحرام بالحلال ، وفي الجواهر : لا مهر للمفارقات قبل الدخول ; لأنه مغلوب على الفراق ، وقال  ابن حبيب     : لكل واحدة نصف صداقها ; لأنه كالمتنقل ، وفي الاختيار كالمطلق ، فإن مات قبل الاختيار قيل : يرثه جميعهن الربع إن لم يكن له ولد ، ولكل مبني بها صداقها ، قال  أبو الطاهر     : المشهور ربع صدقات لجميعهن بالموت ، وقال  ابن حبيب     : لجميعهن سبع صدقات أربع لأربع ، وثلاث لستة ، يقسم الجميع أعشارا . 
 [ ص: 334 ] فرع 
قال فلو كن ثمان كتابيات فأسلم أربع ، ومات قبل التبين  ، لم يؤثر ; لأنه ربما كان يفارق المسلمات كما لو كانت كتابية ومسلمة ، وقال : إحداكما طالق ، ومات قبل التبين . فرع 
في الكتاب : إذا أسلم عن أم وابنتها  اختار إحداهما قبل البناء ، كانا بعقد واحد أو عقدين ، ولا تحرم الأم بالعقد لفساده ، والإسلام لا يصححه مع الابنة ، وقال غيره : يفارقها ; لأن الإسلام يصححه ، فهو كالعقد الواحد عليهما ، قال  ابن القاسم     : إن حبس الأم لا يعجبني نكاح البنت ; لأنه نكاح شبهة ، وإن بنى بهما حرمتا أبدا ، أو بواحدة أقام عليها لتحريم الأخرى لها بالعقد أو بالدخول ، وإذا ماتت امرأة الذمي فتزوج أمها ثم أسلم  ، هو كالمجوسي يسلم على أم وابنتها ويسلمان ، قال  ابن يونس     : قال  أشهب     : تحرم الأم إذا أسلم عليهما قبل البناء ، وتثبت البنت ; لأنه عقد شبهة . فرع 
قال  اللخمي     : إذا أمسك أربعا فوجدهن أخوات  ، قال القاضي  إسماعيل     : إن طلق عليه السلطان من بقي كان له عنهن تمام الأربع ، وقال  عبد الملك     : إن تزوجن لم يكن له عليهن سبيل ; لأنه أحلهن بالفسخ ، وقال   ابن عبد الحكم     : يفسخ له نكاح من دخل بها إن اختارها أو وقع الفراق باختياره من غير طلاق . 
البحث الرابع : في صفة الاختيار ، وفي الجواهر : يلحق بالصريح ما   [ ص: 335 ] أفاد معناه كطلاق واحدة أو ظهارها ، والإيلاء منها ، أو وطئها ، أو لو قال : فسخت نكاحها انفسخ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					