المقدمة الثانية في مشروعيته  ، وأصله من الكتاب قوله تعالى : ( وأحل الله البيع    ) ، وهو بيع منافع بجزء من الربح ، ومن عمل الصحابة - رضوان الله عليهم - ما في الموطأ : أن  عبد الله  وعبيد الله ابني عمر     - رضوان الله عليهم - خرجا في جيش إلى العراق  ، فلما قفلا مرا على   أبي موسى الأشعري  وهو أمير البصرة  فرحب بهما وسهل ، ثم قال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به ، ثم قال : بلى هاهنا مال من مال الله تعالى أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق  ، ثم تبيعانه بالمدينة  فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح ، فقالا : وددنا ، ففعل وكتب إلى  عمر  أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما باعا فأربحا ، فلما دفعا ذلك إلى  عمر  ، قال  عمر     : أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما ؟ قالا : لا ، فقال  عمر     : أبناء أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه . فأما  عبد الله  فسكت ، وأما  عبيد الله  فقال : ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ، لو نقص المال أو هلك لضمناه ، فقال  عمر     : أدياه ، فسكت  عبد الله  وراجعه  عبيد الله  ، فقال رجل من جلساء  عمر  يا أمير   [ ص: 25 ] المؤمنين لو جعلته قراضا ؟ فقال  عمر     : قد جعلته قراضا ، فأخذ  عمر  المال ونصف ربحه ، وأخذ أبناؤه نصف الربح ، ويقال : الرجل   عبد الرحمن بن عوف     . 
سؤال كيف يمكن جعله قراضا بعدما كان قرضا  ، وإلزام ذلك في القرض خلاف الإجماع ، وأكل المال بالباطل ; لأن الربح ملك للمقترض إجماعا ، فأخذه منه غصب ، جوابه قال   الطرطوشي  في سراج الملوك : جعل  عمر     - رضي الله عنه - انتفاعهم بجاه العمل للمسلمين له نصف الربح ، كأن المصلين ساعدوهما في ذلك ، وهو مستنده في تشطير عماله في أموالهم فهو كالقراض . 
سؤال :  أبو موسى  حكم عدل وقد تصرف بوجه المصلحة ; لأن المال يصير مضمونا في الذمة فهو أولى من بعثه على وجه الأمانة ، مضافا إلى إكرام من ينبغي إكرامه ، فهو تصرف جامع للمصالح ، فيتعين تنفيذه وعدم الاعتراض عليه ، جوابه : أن عدم التعرض إنما هو بين النظر من الأمراء ، أما الخليفة فله النظر في أمر نوابه وإن كان سدادا أو تقول كأن في هذا التصرف تهمة تتعلق  بعمر  بسبب أنه إكرام لابنيه ، فأراد إبطالها والذب عن عرض الإمامة بحسب الإمكان ، وفي الموطأ : أن   عثمان بن عفان     - رضي الله عنه - دفع قراضا على أن الربح بينهما ، وقياسا على المساقاة التي هي مورد السنة بجامع الضرورة ; إذ ليس كل الناس يقدر على تنمية ماله ، وأجمعت الأمة عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					