مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله : " أو ماء بل فيه خبز أو غير ذلك مما لا يقع عليه اسم الماء المطلق حتى يضاف إلى ما خالطه أو خرج منه فلا يجوز التطهر به " .  
قال  الماوردي      : قد مضى الكلام في شرح المياه إلا أنا نختصره بقسم جامع نمهد به أصوله وتبتنى عليه فروعه ، فنقول : الماء ضربان مطلق ، ومضاف ، فالمطلق على حكم أصله في جواز استعماله في الحدث والنجس ، والمضاف على ضربين : إضافة تمنع من جواز استعماله ، وإضافة لا تمنع منه ، فأما التي لا تمنع من الاستعمال فإضافتان : إضافة قرار كماء البحر والزهر ، وإضافة صفة كماء عذب أو أجاج ، فأما المانعة من جواز الاستعمال فيتقسم إلى ثلاثة أقسام : إضافة حكم وإضافة جنس وإضافة غلبة .  
فأما القسم الأول وهو إضافة الحكم فضربان :  
أحدهما : ما سلب الماء حكم التطهير دون الطهارة كالماء المستعمل فلا يجوز استعماله في حدث ولا نجس لما سنذكره من بعد .  
والثاني : ما سلبه حكم التطهير والطهارة كالماء النجس .  
وأما القسم الثاني وهو إضافة الجنس كماء الورد والفواكه والبقول وكل معتصر من نبات فلا يجوز استعماله في حدث ، ولا نجس ، وخالفنا  أبو حنيفة   فيه فيجوز إزالة النجاسة به وقد مضى الكلام فيه معه .  
وأما القسم الثالث : وهو إضافة الغلبة فهو على ضربين :  
أحدهما : غلبة مخالطة .  
والثاني : غلبة مجاورة .  
فأما غلبة المخالطة فهو أن  يتغير الماء بمائع كالعسل أو مذرور كالزعفران   ، وذلك مانع من جواز الاستعمال ، وأما غلبة المجاورة فهو أن  يتغير الماء بجامد كالخشب أو متميز كالدهن   ، وذلك غير مانع من جواز استعماله .  
 [ ص: 53 ] فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من تقسيم المياه فجميع الفروع مرتب عليها ومستفاد منها فمن فروع هذا الفصل أن  التمر والزبيب والبر والشعير إذا وقع في الماء فغيره   ، فإن كان بحاله صحيحا لم ينحل في الماء فاستعماله جائز ، لأنه تغيير مجاورة كما لو تغير بالخشب وإن ذاب في الماء وانحل فاستعماله غير جائز ، لأنه تغيير مخالطة كما لو تغير بمذرور الزعفران والعصفر ، وهكذا حكم سائر  الحبوب من الأرز والحمص والعدس وإن طبخ بالنار فإن انحلت في الماء   فاستعماله غير جائز ، وإن لم ينحل ولا تغير بها الماء فاستعماله جائز ، وإن تغير بها الماء من غير انحلال أجزائها ففي جواز استعماله وجهان :  
أحدهما : يجوز كما لو يتغير بلا انحلال من غير طبخ .  
والثاني : لا يجوز استعماله ، لأنه بالطبخ صار مرقا .  
ومن فروع هذا الفصل أن  القطران إذا وقع في الماء فغيره   فقد قال  الشافعي   في كتاب الأم : لا يجوز استعماله ، وقال في موضع آخر : يجوز استعماله ، وليس ذلك على قولين كما وهم فيه بعض أصحابنا ، ولكن القطران على ضربين :  
الأول : ضرب فيه دهنية فتغير الماء به لا يمنع من جواز استعماله ، كما لو تغير بدهن .  
والثاني : ضرب لا دهنية فيه فتغير الماء فيه مانع من جواز استعماله كما لو يتغير بمائع .  
ومن فروع هذا الفصل : أن  الماء إذا تغير بالشمع   جاز استعماله ، كما لو تغير بدهن ،  ولو تغير شحم أذيب فيه بالنار   كان في جواز استعماله وجهان :  
أحدهما : يجوز لأن الشحم دهن .  
والثاني : لا يجوز استعماله لأن مخالطة الشحم للماء تجعله مرقا .  
ومن فروع هذا الفصل : أن  الماء إذا تغير بالكافور   فله ثلاثة أحوال :  
حال يعلم انحلال الكافور فيه فاستعماله غير جائز ، لأنه تغير مخالطة .  
وحال يعلم أنه لم ينحل فيه فاستعماله جائز ، لأنه تغير مجاورة .  
وحالة شك فيه ، فينظر في صفاء التغير ، فإن تغير الطعم دون الرائحة فهو دال على تغير المخالطة ويجوز استعماله ، وإن كان تغير الريح ففيه لأصحابنا وجهان :  
أحدهما : أن يغلب فيه تغير المخالطة فعلى هذا لا يجوز استعماله .  
والثاني : أنه يغلب تغير المجاورة فيجوز استعماله .  
 [ ص: 54 ] ومن فروع هذا الفصل أن  المني إذا وقع في الماء كان طاهرا لطهارة المني   ، فإن لم يغير الماء جاز استعماله وإن تغير ففيه وجهان :  
أحدهما : أن استعماله غير جائز كما لو تغير بمائع غير المني .  
والثاني : أن استعماله جائز لأنه لا يكاد يماع في الماء كالدهن ، فلم يمنع من استعماله ، لأن تغيره تغير مجاورة .  
قال  أبو العباس بن العاص      : إن  الورق في الماء بعد أن ربا   فاستعماله غير جائز ، وإن لم يعصر فيه جاز استعماله ، فأما  إذا كان ورق الشجر مدقوقا ناعما فغير الماء   لم يجز استعماله ، لأنه تغير مخالطة كالزعفران ، وقال  أبو حامد الإسفراييني      : يجوز استعماله كما لو كان صحيحا ، وهذا غير صحيح ، لأن تغير الماء بالورق المدقوق تغير مخالطة ، وتغيره بالورق الصحيح تغير مجاورة .  
ومن فروع هذا الفصل أن  الماء إذا تغير بالملح لم ينحل أن يكون ملح حجر   أو ملح جمد فإن كان ملح حجر فاستعمال ما تغير به من الماء غير جائز ، كما لو تغير الماء بما ينحل فيه من جواهر الأرض كالكحل وغيره ، وإن كان ملح جمد ففي جواز استعماله وجهان :  
أحدهما : يجوز لأن أصله ما قد جمد ، فإذا ذاب لم يمنع من جواز الاستعمال كالثلج إذا ذاب .  
والوجه الثاني : لا يجوز استعماله لأنه قد استحال عن الماء فصار جوهرا كغيره . ومن فروع هذا الفصل أن  الماء إذا تغير بالجماد أو بطول المكث   كان استعماله جائزا لأنه تغير مجاورة ، فأما إذا تغير بالتراب فإن صار بحيث لا يجزئ بطبعه لم يجز استعماله ، لأنه صار علينا ، وإن كان جاريا بطبعه لكن تكدر لونه وتغير طبعه ففي جواز استعماله قولان :  
أحدهما : لا يجوز لأنه مذرور .  
والقول الثاني : وهو الأصح يجوز قرار للماء لا ينفك غالبا عنه كالطين .  
 [ ص: 55 ] ومن الفروع المضاهية لهذا الفصل  تكميل ماء الطهارة بمائع طاهر   ، وهو أن يكون الرجل يكتفي في غسله بعشرة أرطال من ماء فيجد ثمانية أرطال قيمتها برطلين من لبن أو مائع غيره ، ولا تغير شيئا من أوصافه فقد اختلف أصحابنا في جواز استعمال جميعه على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  أبي علي الطبري   وطائفة أن استعمال جميعه غير جائز للإحاطة باستعمال المائع في طهارته .  
والوجه الثاني : وهو قول الجمهور أن استعماله جائز لأنه لا حكم لما صار مستهلكا فيه من المائع ، ألا ترى أنه لو استعمل ثمانية أرطال هي مقدار الماء وبقي منه رطلان هي مقدار المائع جاز ، وإن أحطنا علما بأن الثاني ليس بمائع فرد ، وأن الذي استعمله ليس بماء فرد ، فكذا إذا استعمل الكل لكون المائع مستهلكا فيه والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					