مسألة : قال  الشافعي      : " وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث مع  ابن رواحة   غيره ( قال  الشافعي      ) وفي كل أحب أن يكون خارصان أو أكثر وقد قيل : يجوز خارص واحد كما يجوز حاكم واحد " .  
قال  الماوردي      : اعلم أن قوله : " وأحب أن يكون خارصان أو أكثر " دليل على أن الخارص الواحد يجزئ ، وقوله : وقد قيل : يجوز أن يكون خارص دليل على أن الخارص الواحد لا يجزئ ، فاختلف  أصحابنا فيمن يصح الخرص به   ، فكان  أبو العباس بن سريج   وأبو سعيد الإصطخري   يقولان : يجوز خارص واحد ، وليس في المسألة قول آخر ، وكان  أبو إسحاق المروزي   وأبو علي بن أبي هريرة   يقولان : المسألة على قولين ، وهو قول جمهور أصحابنا ، أحد القولين : إنه لا يجزئ إلا خارصان لما روي  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث مع  ابن رواحة   غيره ، وقد قيل : بعث معه  سهل بن أبي حثمة   ، فإذا كان جواز الخرص حكما مستفادا بالشرع ، وجب المصير إليه على ما ورد الشرع به ، ولأن الخرص اجتهاد في معرفة القدر وتمييز الحقوق فشابه التقويم وخالف الكيل والوزن ، لأنهما يقين لا اجتهاد فيهما ، فلما ثبت أن التقويم لا يجزئ فيه إلا مقومان فكذا الخرص لا يجزئ فيه إلا خارصان .  
والقول الثاني : يجزئ خارص واحد لما روي  أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث  ابن رواحة   خارصا فخرص  خيبر   وقال : " إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي " .  
وروي أنه بعث معه غيره ، فلو أن الاثنين شرط لما بعثه منفردا ، ولو كانا شرطا في عام لكانا شرطا في كل عام ، ولأن الخارص مجتهد في تقدير الحقوق ، وتنفيذ الحكم موقوف عليه      [ ص: 234 ] دون غيره فشابه الحاكم ، وخالف المقوم حيث لم ينفذ الحكم به إلا بتنفيذ الحاكم له ، ثم ثبت أنه يجزئ حاكم واحد ، فكذلك يجزئ خارص واحد ، سواء كان رب المال صغيرا أو كبيرا ، لا كما غلط بعض أصحابنا ففرق بين الصغير والكبير ، فلم يجوز خرص مال الصغير إلا باثنين ، وجوز خرص مال الكبير بواحد : لأنه رأى  الشافعي   في " الأم " فرق بينهما ، وهذا غلط : لأن الخرص إما أن يكون كالحكم يجزئ بواحد في مال الصغير والكبير أو يكون كالتقويم ، والتقويم لا يجزئ إلا باثنين في مال الصغير والكبير .  
والشافعي   إنما فرق بينهما في " الأم " في جواز تضمين الكبير ثماره بالخرص دون الصغير ، فوهم عليه ، فهذا التأويل في إعداد الخرص .  
				
						
						
