مسألة : قال  الشافعي      : "  ولا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير العنب والنخل   فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكلاهما قوت ولا شيء في الزيتون : لأنه يؤكل أدما ولا في الجوز ولا في اللوز وغيره مما يكون أدما وييبس ويدخر : لأنه فاكهة : لأنه كان بالحجاز قوتا علمناه ولأن الخبر في النخل والعنب خاص " .  
قال  الماوردي      : اعلم أن ما تنبته الأرض نوعان زرع وشجر ، فالزرع يأتي حكمه ،  والشجر   ينقسم في الحكم ثلاثة أقسام ، قسم لا يختلف مذهب  الشافعي   وغيره أن زكاته واجبة ، وهو النخل والكرم وقد مضى الكلام فيهما ، وقسم لا يختلف مذهب  الشافعي   أن لا زكاة فيه وإن خالفه غيره وهو الرمان ، والسفرجل ، والتفاح ، والمشمش ، والكمثرى ، والجوز ، والخوخ ، واللوز ، وما عدا ما ذكر في القسم الماضي وما يذكر في القسم الآتي ، وقسم اختلف مذهب  الشافعي   في بعضه وعلق القول في بعضه ، وهو أربعة أجناس الزيتون ،      [ ص: 235 ] والورس ، والزعفران والقرطم ، وعلق القول في خامس ليس من جنسها وهو العسل ، فأما الزيتون فله في إيجاب زكاته قولان :  
أحدهما : وهو قوله في القديم فيه الزكاة ، وبه قال  مالك      : لقوله تعالى :  وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده      " ، [ الأنعام : 141 ] ، فاقتضى أن يكون الأمر بإتيان الحق راجعا إلى جميع المذكور من قبل .  
وروي  عن  عمر   رضي الله عنه أنه كتب إلى عامله بالشام أن يأخذ زكاة الزيتون     .  
وروي  عن  ابن عباس   رضي الله عنه أنه قال : في الزيتون العشر  ، ولا مخالف لهما في أصحابه فكان إجماعا ، ولأن عادة أهل بلاده جارية بادخاره واقتنائه  كالشام   وغيرها مما يكثر نبات الزيتون بها ، فجرى مجرى التمر والزبيب ، فاقتضى أن تجب فيه الزكاة .  
والقول الثاني : نص عليه في الجديد وهو الصحيح .  
وبه قال  ابن أبي ليلى   والحسن بن أبي صالح   لا زكاة فيه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : " لا تأخذ العشر إلا من أربعة : الحنطة ، والشعير ، والنخل ، والعنب "  ، فأثبت الزكاة في الأربعة ونفاها فيما عدا ذلك ، ولأنه قد كان موجودا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما افتتحه من  مخاليف اليمن   وأطراف الشام   ، فلم ينقل أنه أخذ زكاة شيء منه ، ولو وجبت زكاته لنقلت عنه قولا وفعلا كما نقلت زكاة النخل والكرم قولا وفعلا ، ولأنه وإن كثر من بلاده فإنه لا يقتات منفردا كالتمر والزبيب ، وإنما يؤكل أدما ،  والزكاة تجب في الأقوات ولا تجب في الإدام   ، فإذا ثبت توجيه القولين فإن قلنا إنه لا زكاة فيه فلا مسألة ، وإن قلنا فيه الزكاة فلا شيء فيما دون خمسة أوسق للخبر ، فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة حينئذ ، ولا يجوز خرصه : لأن الزيتون مستتر بورقه لا يمكن الإحاطة بمشاهدته ، وليس كالنخل والكرم البارز الثمر الذي يمكن الإحاطة به ، ثم له حالان :  
أحدهما : أن يكون مما يصير زيتا .  
والثاني : أن يكون مما لا يصير زيتا ، فإن كان مما لا يصير زيتا اعتبر فيه خمسة أوسق منه ، وأخذ عشره زيتونا ، وإن كان مما يصير زيتا فعلى قولين :  
أحدهما : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتا : لأن الزيت حالة ادخاره كالتمر ، فعلى هذا يؤخذ عشره زيتا لا غير .  
والقول الثاني : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتونا : لأن الزيت مستخرج من الزيتون بصنعة وعلاج فلم يكن كحاله كالدبس والدقيق ، فعلى هذا يأخذ عشره زيتونا لا غير .  
 [ ص: 236 ] 
				
						
						
