مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " فلا يجوز لأحد أن يحج قبل أشهر الحج فإن فعل فإنها تكون عمرة كرجل دخل في صلاة قبل وقتها فإنها تكون نافلة " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح ، لا يجوز  الإحرام بالحج قبل أشهره   فإن أحرم بالحج انعقد إحرامه عمرة .  
وبه قال من الصحابة عمر  وابن مسعود   وجابر بن عبد الله   وابن عباس      .  
 [ ص: 29 ] ومن التابعين  طاوس   ومجاهد   وعطاء      .  
ومن الفقهاء  الأوزاعي   وأحمد   وإسحاق      .  
وقال  مالك   وأبو حنيفة   والثوري      : ينعقد إحرامه بالحج قبل أشهره تعلقا بقوله تعالى :  يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج      [ البقرة : 189 ] ، فأخبر أن الأهلة كلها وقت للحج ، ولأنها عبادة تدخل فيها النيابة ، وتجب في إفسادها الكفارة ، فوجب أن لا يختص بزمان كالعمرة ، قالوا : ولأن الحج يختص بزمان ومكان ، فالزمان هو أشهر الحج والمكان هو الميقات فلما جاز تقديمه على المكان ، جاز تقديمه على الزمان وعكس هذا الوقوف بعرفة ، لما لم يجز تقديمه على زمانه لم يجز تقديمه على مكانه قالوا : ولأن الإحرام بالحج قد يصح في زمان لا يمكنه إيقاع أفعال الحج فيه ، وهو شوال ، فعلم أنه لا يختص بزمان ، ودليلنا قوله تعالى :  الحج أشهر معلومات      [ البقرة : 197 ] ، وفي ذلك دليلان :  
أحدهما : أن قوله  الحج أشهر      [ البقرة : 197 ] يريد وقت الحج فجعل وقت الحج أشهرا فلو انعقد الإحرام في غيرها ، لم تكن الأشهر وقتا له ، وإنما تكون في بعض وقته .  
والدلالة الثانية : أنه لما جعل وقت الحج أشهرا معلومات وإن كان الحج الإحرام ، والوقوف ، والطواف والسعي وكان الطواف والسعي لا يختص بها ، بل يصح فيها وفي غيرها ولم يكن الوقوف في جميعها حصل الاختصاص لها بالإحرام فكأنه قال : الإحرام بالحج في أشهر معلومات ، فإن قالوا : ليس الإحرام عندنا من الحج قلنا هو عندنا من الحج ، وإن لم يكن عندكم من الحج ، فإنه يدخل به في الحج فيصير داخلا في الحج قبل أشهره ، فإن قالوا : إنما جعل وقت استحباب الإحرام أشهرا إلا وقت انعقاده وجوازه ، قيل : يفسد عليكم بيوم النحر لأنه عندكم من أشهر الحج ، ولا يستحب الإحرام فيه ، ومن الدلالة على ما ذكرنا أن الإحرام ركن من أركان الحج فوجب أن يختص بوقت ، ولا يجوز تقديمه عليه .  
أصله : الوقوف بعرفة ولأن كل وقت لا يصح استدامة العبادة فيه لا يصح ابتداء تلك العبادة فيه .  
أصله : الجمعة إذا صار كل شيء مثليه ، لما لم يصح استدامة الجمعة فيه لم يصح الإحرام بها فيه ، ولأن كل عبادة اختص بعض أفعالها بزمان مخصوص اختص الإحرام بها بزمان مخصوص كالصوم ، وعكسه العمرة ، ولأنها عبادة مؤقتة ، فوجب أن يكون الإحرام بها مؤقتا كالصلاة فأما الجواب عن قوله تعالى :  يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج      [ البقرة : 189 ] ، فالجواب عنها من وجهين :  
 [ ص: 30 ] أحدهما : أن المراد بالحج هو الإحرام به لا جميع أفعاله ، وليس الإحرام عندهم من الحج فسقط استدلالهم به .  
والثاني : أن الله تعالى أطلق الأهلة ولم يبينها ، ثم بينها بقوله تعالى :  الحج أشهر معلومات      [ البقرة : 197 ] ، في هذه الآية فوجب أن يكون المراد بما أطلق من الأهلة ما فسره في الآية الأخرى ، وأما الجواب عن قياسهم على العمرة ، فالمعنى فيه أنه لا يختص بعض أفعالها بوقت مخصوص ، فلذلك لم يختص الإحرام لها بوقت مخصوص ، فخالف الحج من هذا الوجه ، وأما قولهم لما جاز تقديمه على المكان كذلك على الزمان قلنا : إنما جاز تقديمه على المكان ، وهو الميقات لأن مجاوزته لا تجوز ولما كانت مجاوزة الزمان تجوز كان التقديم عليه لا يجوز ، ولو جاز التقديم عليه كما جاز مجاوزته لم يكن للحد فائدة ، وأما قولهم إنه لما انعقد الإحرام في وقت لا يجوز فيه فعل الحج دل على أنه لا يختص بزمان ، وأي أصل دلكم على هذا ، ثم هو باطل بالصلاة يصح الإحرام بها عقيب الزوال ، وإن لم يكن وقت الركوع والسجود .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					