فصل : فإذا ثبت أن وقت الوقوف  بعرفة   من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، فمتى حصل بها في هذا الزمان مقيما أو مختارا نائما أو مستيقظا ، عالما أو غير عالم ، من ليل أو نهار ، فقد حصل له الوقوف  بعرفة   ، وأدرك به الحج .  
وقال  مالك      : إدراك الوقوف  بعرفة   يعتبر بالليل دون النهار ، فإن وقف بها ليلا ونهارا أجزأه وقوف الليل ، وكان وقوف النهار تبعا ، وإن وقف بها ليلا أجزأه ، وإن وقف بها نهارا لم يجزه      [ ص: 173 ] استدلالا برواية  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  من أدرك  عرفة   ليلا فقد أدرك الحج ، ومن فاته  عرفة   ليلا ، فقد فاته الحج     .  
والدلالة على صحة ما قلنا رواية  عامر   ،  عن  عروة بن مضرس   ، أنه حج فلم يدرك الناس إلا ليلا فجمع ، فانطلق إلى  عرفات   ، فأفاض منها ثم رجع إلى جمع ، فأتى رسول صلى الله عليه وسلم فقال : أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، فهل لي من حج ، فقال : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ، ووقف معنا حتى يفيض وقد أفاض من  عرفات   قبل ذلك ليلا كان أو نهارا ، فقد قضى تفثه ، وتم حجه  ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الموقف نهارا ، وانصرف منه ليلا ، فجعل النهار وقتا للوقوف ، وجعل الليل وقتا لترك الوقوف ، فعلم أن النهار مقصود ، والليل تبع .  
فأما حديث  ابن عمر   ، ففيه دليل على إدراك الليل ، وتنبيه على إدراك النهار ؛ ولأن حكم آخر الوقت ، إما أن يكون مثل أوله أو أضعف ، ولا يجوز أن يكون أقوى منه فلما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مدركا بآخره ، وهو الليل ، كان أولى أن يكون مدركا بأوله وهو النهار .  
فإن قيل : فهذا يصح في قوله "  من أدرك  عرفة   ليلا ، فقد أدرك الحج     " فأما في قوله "  ومن فاته  عرفة   ليلا فقد فاته الحج     " فلا ، قيل يكون دليل أول الكلام تنبيهة يصرف ظاهر آخره إلى دليل أوله .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					