مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله تعالى : "  وإن فقد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء في البلد الذي أسلفه فيه ،   قيل : المسلف بالخيار بين أن يرجع بما بقي من سلفه بحصته ، أو يؤخر ذلك إلى رطب قابل ، وقيل : ينفسخ بحصته ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم  حكيما   عن بيع ما ليس عنده وأجاز السلف ، فدل أنه نهى  حكيما   عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا ، وذلك بيع الأعيان " .  
قال  الماوردي      : وهذا باطل إذا أسلم في ثمرة إلى أجل يوجد غالبا فيه فحل الأجل ، وقد أعدمت الثمرة لحاجة حدثت أو لتأخير القبض حتى فقدت ، ففي عقد السلم قولان :  
أحدهما : قد بطل بعدمه عند الأجل لأمرين :  
أحدهما : أنه سلم في معدوم ، فصار كما لو علما عند العقد معدوم .  
والثاني : أنه لما كان تلف العين المبيعة عند استحقاق القبض مبطلا للعقد ، وجب أن يكون عدم الموصوف في الذمة عند حلول الأجل مبطلا للعقد .  
والقول الثاني ، وهو أصح : أن العقد صحيح ، وللمسلم الخيار لأمرين : أحدهما : أن تعذر السلم في بيوع الصفات كتأخير القبض في بيوع الأعيان ، ثم ثبت أن ما أوجب تأخير القبض في الأعيان المبيعة يثبت الخيار ولا يبطل العقد ، وجب أن يكون ما اقتضى تأخير القبض في الأشياء الموصوفة يثبت الخيار ولا يبطل العقد ، ووجب أن يكون عدم المثمن عند حلول الأجل يوجب الخيار ولا يبطل العقد .  
فصل : فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قلنا : ببطلان العقد وجب استرجاع الثمن ولا خيار .  
فلو اختلفا في قدر الثمن   فالقول فيه قول البائع المسلم إليه مع يمينه : لأنه غارم فإن أراد أن يجعل الثمن مسلما في غيره لم يجز إلا بعد قبضه : لأن لا يكون دينا بدين ، ولو كان المسلم قد أخذ بالسلم رهنا لم يكن له حبس الرهن على الثمن . وقال  أبو حنيفة      : له ذلك : لقيام الثمن بعد الفسخ مقام الأجل . وهذا خطأ : لأن الأجل قد يبطل فلم يجز أن يبقي ما كان معقودا به ، وإنما يبطل البيع ببطلان الثمن ، فإن قلنا : إن العقد لا يبطل ، فالمسلم بالخيار بين أن يفسخ العقد ويسترجع الثمن ، وبين أن يقيم على العقد إلى وجود ذلك في العام المقبل وإنما يثبت      [ ص: 394 ] له الخيار : لأن التأخير نقص . فإذا ثبت له الخيار وفي هذا الخيار وجهان كما قلنا في الخيار المستحق في البيع عند تلقي الركبان :  
أحدهما : أنه على الفور كخيار العيب .  
والثاني : أنه ممتد إلى ثلاثة أيام ، فإن فسخ استرجع الثمن وإن أقام لزمه الصبر إلى العام المقبل ، ولم يكن له الفسخ قبله .  
فإن جاء العام المقبل والثمرة أيضا معدومة فله الخيار أيضا بعدم الثمرة في العام الثاني بين الفسخ واسترجاع الثمن ، أو المقام إلى العام الثالث ، ثم هكذا في كل عام ثان ، فلو لم تكن الثمرة معدومة ولكن عزت وغلت فالعقد صحيح قولا واحدا ، يؤخذ المسلم إليه بدفع ذلك مع عزته وغلو سعره ، فإن ضاق به أو أعسر عنه صار كالمفلس فيكون للمسلم الخيار .  
فصل :  وأما إن وجد بعض الثمرة التي أسلم فيها وعدم باقيها لتأخير القبض حتى نفذت ، أو لجائحة حدثت   فالمسلم في المعدوم الباقي على القولين الماضيين :  
أحدهما : جائز ، فعلى هذا هو في الموجود أجوز .  
والثاني : أنه في المعدوم باطل ، فعلى هذا إن قيل بجواز تفريق الصفقة كان السلم في الموجود ، وإن قيل إن تفريق الصفقة لا يجوز فهذا فساد طرأ على بعض الصفقة مع تقدمه صحتها ، فيكون على وجهين :  
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، أن ما طرأ على الصفقة من الفساد بعد العقد كان لفساد المقارن للعقد ، فيجعل العقد في الجميع باطلا .  
والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا ، الفساد الطارئ على الصفقة لمعنى حادث لم يبطل الباقي منها ، فيكون العقد في الموجود جائزا وفي المعدوم باطلا ، فيخرج السلم في الجميع على ثلاثة مذاهب :  
أحدها : أنه في الكل باطل ويسترجع المسلم الثمن .  
والمذهب الثاني : السلم في الموجود جائز وفي المعدوم باطل ، وللمسلم الخيار بين الفسخ واسترجاع الثمن ، أو المقام على الموجود بحسابه من الثمن وقسطه قولا واحدا ولا خيار للمسلم إليه وجها واحدا .  
والمذهب الثالث : أن السلم في الكل جائز ، فيكون المسلم بالخيار بين أن يفسخ العقد في الجميع ويسترجع الثمن ، وبين أن يقيم على العقد في المعدوم ، فعلى قولين من تفريق الصفقة :  
أحدهما : لا يجوز إذا منع من تفريق الصفقة .  
 [ ص: 395 ] والثاني : يجوز إذا أجيز تفريق الصفقة ، فعلى هذا بما يقيم على الموجود على قولين :  
أحدهما : يقيم عليه بجميع الثمن وإلا فسخ .  
والثاني : بالحساب والقسط ، وهو أصح ، فعلى هذا هل يكون للمسلم إليه الخيار أم لا ؟ على وجهين :  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					