مسألة : قال  الشافعي      : " وأشكل وقت الحيض عليها من الاستحاضة فلا يجوز لها أن تترك الصلاة إلا أقل ما تحيض له النساء وذلك يوم وليلة فعليها أن تغتسل وتقضي الصلاة أربعة عشر يوما " .  
قال  الماوردي      : وهذه المسألة مقصورة على الكلام في  أقل الحيض   وقد اختلف الناس فيه على مذاهب شتى فأما مذهب  الشافعي   فالذي نص عليه هاهنا ، وفي كتاب الأم أن أقل الحيض يوم وليلة وقال في كتاب العدد أقله يوم فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النصين على ثلاثة طرق :  
أحدها : وهو طريقة  المزني   وابن شريح   أن أقل الحيض يوم وليلة وما قاله من كتاب العدد أن أقله يوم يريد به مع ليلة ، وهذه عادة العرب وأهل اللسان أنهم يطلقون ذكر الأيام يريدون بها مع الليالي ، ويطلقون ذكر الليالي ، ويريدون بها مع الأيام ، وكقوله تعالى :  وواعدنا موسى ثلاثين ليلة      [ الأعراف : 142 ] يريد مع الأيام ، وكقوله تعالى :  تمتعوا في داركم ثلاثة أيام      [ هود : 65 ] يريد مع الليالي غير أن  المزني   علل لطريقته هذه تعليلا قدح فيه أصحابنا فقال : لأن اليوم والليلة زيادة علم ، وقال أصحابنا : هذا خطأ لأن زيادة العلم وجود الأقل لا وجود الأكثر ، ولو كان اليوم والليلة أزيد علما من اليوم لكان الثلاث أزيد علما ، وهذا الاعتراض على  المزني   خطأ في تأويل كلامه : لأن  المزني   إنما أراد به زيادة علم في النقل ، لا في الوجود .  
 [ ص: 433 ] والطريقة الثانية حكاها  أبو إسحاق   المروزي   عن بعض متقدمي أصحابنا أن المسألة على قولين لاختلاف النص في الموضعين :  
أحدهما : أن أقله يوم وليلة .  
والثاني : أن أقله يوم ، وهذه طريقة فاسدة : لأنه إن وجد في العادة يوما لم يكن لزيادة الليلة معنى ، وإن لم يجد لم يكن لنقصانها وجها .  
والطريقة الثالثة : أن أقله يوم ، وإنما كان  الشافعي   يرى أن أقله يوم وليلة إلى أن أخبره  عبد الرحمن بن مهدي   أن عندهم امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية فرجع إلى قوله ، وأصح هذه الطرق الثلاث الطريقة الأولى أن أقله يوم وليلة ، وهو المشهور من مذهبه ، والمعول عليه من قوله ، وبه قال من الصحابة  علي بن أبي طالب   وعبد الله بن عمر   ومن التابعين  عطاء   ومن الفقهاء  الأوزاعي   وابن جريج   وأحمد   وأبو ثور      .  
وقال  أبو حنيفة      : أقل الحيض ثلاثة أيام .  
وقال  أبو يوسف      : لعله يومان .  
وقال  مالك      : لا حد لأقله ، واستدل ناصر  أبي حنيفة   لمذهبه بما روي عن  عبد الله عن العلاء بن عبد الرحمن   عن  مكحول   عن  أبي أمامة   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  أقل الحيض ثلاث وليس فيما دون الثلاث حيض "  وبرواية  عدي بن ثابت   عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة :    " تدع الصلاة أقراءها "  قال : وأقل ما ينطلق ذكر الأيام ثلاثة وأكثره عشرة ، قال وقد روى  الجلد بن أيوب   عن  معاوية بن قرة   عن  أنس بن مالك   قال : قرء الحيض ثلاث أربع خمس حتى انتهى إلى عشر     .  
وقال  ابن مسعود      : أقل الحيض ثلاث  ، وهذان صحابيان لا يقولان ذلك ، إلا عن توقيف : لأن القياس لا مدخل له فيه ، قال : ولأن ما نقص من الثلاث لم يجز أن يكون حيضا قياسا على ما نقص اليوم والليلة .  
دليلنا قوله تعالى :  فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن      [ البقرة : 222 ] فلما أطلق ذكره ولم يحد قدره فكان الرجوع فيه عند عدم حده في الشرع إلى العرف والعادة ، وكالقصر واليوم والليلة موجود في العرف والعادة ، وإن كان مختلفا باختلاف الأبدان والأسفار والبلدان ، قال  الشافعي      : ووجدت نساء  مكة   وتهامة   يحضن يوما      [ ص: 434 ] وليلة ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم  لفاطمة بنت أبي حبيش     :    " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي     " وأمرها بترك الصلاة عند وجود صفة الحيض في دمها على الإطلاق من غير تقدير بثلاثة فوجب أن يكون محمولا على إطلاقه إلا ما قام دليل تخصيصه ، وروي  عن  علي بن أبي طالب   رضي الله عنه أنه قال : ما زاد على خمسة عشر يوما فهو استحاضة ، وأقل الحيض يوم وليلة  ، وروي  عن  عبد الله بن عمرو بن العاص   أنه قال : أدركت الناس يقولون أقل الحيض يوم وليلة  ، والصحابي إذا قال هذا فإنما يريد به أكابر الصحابة وعلمائها ، فدل هذان الأثران على أن التوقيت باليوم والليلة موجود والوفاق عليه مشهور ، ولأنه دم يسقط فرض الصلاة فجاز أن يكون يوما وليلة كالنفاس ، ولأن كل مدة صلحت أن تكون زمنا للمسح على الخفين شرعا صلحت لأن تكون زمنا لأقل الحيض ، ولا يدخل عليه الحمل ، لأنه تقدر بالشهور دون الأيام .  
فأما الجواب عن روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :  أقل الحيض ثلاث  فهو أنه خبر مردود ، لأن  عبد الملك   مجهول ،  والعلاء   ضعيف ،  ومكحول   لم يلق  أبا أمامة   ، فكان مرسلا ، ولو صح لكان محمولا على سؤال امرأة كانت عادتها ثلاثا ، وكذلك الجواب عن قوله في المستحاضة    " تدع الصلاة أيام أقرائها     " وأما  ابن مسعود   فقوله معارض بقول  علي   ، وهو أولى : لأن عموم الكتاب والسنة يعاضده وأما  أنس   فلم يكن في الحيض أصلا ، قال  ابن علية   استحيضت امرأة من  آل أنس   فسئل  ابن عباس   عنها ،  وأنس   حي ، ولو كان أصلا فيه لاكتفوا بسؤاله عن غيره ، وأما قياسهم على ما دون اليوم والليلة ، فالمعنى في اليوم والليلة أنه مستوعب لأوقات الصلوات الخمس .  
فصل : وأما  مالك   فاستدل على أنه لا حد لأقله بقوله تعالى :  ويسألونك عن المحيض قل هو أذى      [ البقرة : 222 ] فجعل الأذى حيضا ، ويسير الدم أذى فوجب أن يكون حيضا ، ولقوله صلى الله عليه وسلم    " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة     " قال : ولأنه دم يسقط فرض الصلاة فوجب أن يكون أقله غير محدود كالنفاس .  
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :  فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة  فجعل زمان الحيض مسقطا لفرض الصلاة ، وسقوطها يتعلق بزمان محدود ، ولأنه خارج من الرحم يدل على براءته فوجب أن يكون محدودا كالحمل ، فأما الآية فلا دليل فيها : لأنه جعل الحيض أذى ، ولم يجعل الأذى حيضا ، وأما حديث  فاطمة  فالمراد به إقبال حيضها ، وقد كان أياما ، وأما قياسه على النفاس فالمعنى فيه وجود العادة بيسيره .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					