فصل : فإن كانت  الوصية بخدمة العبد على التأبيد   كأن قال : قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي أبدا ، فالوصية جائزة إذا تحملها الثلث .  
واختلف أصحابنا في الذي يعتبر قيمته في الثلث على وجهين :  
أحدهما : قاله في اختلاف العراقيين وهو اختيار  ابن سريج   أنه تقوم جميع الرقبة في الثلث ، وإن اختصت الوصية بالمنفعة ، كما تقوم رقبة الوقف في الثلث ، وإن ملك الموقوف عليه المنفعة .  
فعلى هذا هل يصير الموصى له مالكا الرقبة ، وإن منع من بيعها أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : لا يملكها لاختصاص الوصية بمنافعها .  
والثاني : يملكها ، كما يملك أم ولده ، وإن كان ممنوعا من بيعها لتقويمها عليه في الثلث ، وهذا قول  أبي حامد المروروذي      .  
وهذا إذا قيل إن الرقبة هي المقومة .  
والوجه الثاني : أنه يقوم منافع العبد في الثلث دون رقبته ؛ لأن التقويم إنما يختص بما تضمنته الوصية ، ولا يجوز أن يتجاوز بالتقويم إلى غيره ، ولأنه لو أوصى بالمنفعة إلى رجل      [ ص: 222 ] وبالرقبة لغيره ، لم يقوم في حق صاحب المنفعة إلا المنفعة دون الرقبة ، كذلك إذا استبقى الرقبة على ملك الورثة .  
واعتبار ذلك أن يقال : كم قيمة العبد بمنافعه ؟ فإذا قيل مائة دينار . قيل : وكم قيمته مسلوب المنافع ؟ فإذا قيل : عشرون دينارا . علم أن قيمة منافعه ثمانون دينارا ، فتكون هي القدر المعتبر من الثلث .  
فعلى هذا هل يحتسب الباقي من قيمة الرقبة وهو عشرون دينارا على الورثة أم لا ؟  
على وجهين : أحدهما يحتسب به عليهم ؛ لأنه قد دخل في ملكهم ، وهذا قول  أبي إسحاق المروزي      .  
والوجه الثاني : لا يحتسب به عليهم ؛ لأن ما زالت عنه المنفعة زال عنه التقويم .  
فإذا ثبت ما ذكرناه ، وخرج القدر الذي اعتبرناه من الثلث ، صحت الوصية بجميع المنفعة ، وكان للموصى له استخدامه أبدا ما دام حيا ، وأخذ جميع أكسابه المألوفة .  
وهل يملك ما كان غير مألوف منها كاللقطة ؟ على وجهين أصحهما يملكه .  
وفي نفقته ثلاثة أوجه :  
أحدها وهو قول  أبي سعيد الإصطخري      : أنها على الموصى له بالمنفعة ؛ لأن المنفعة تختص بالكسب .  
والثاني : وقول  أبي علي بن أبي هريرة      : أنها على الورثة لوجوبها بحق الملك .  
والوجه الثالث : حكاه  أبو حامد الإسفراييني      : تجب في بيت المال ؛ لأن كل واحد من مالكي الرقبة والمنفعة .  
ولم يكمل فيه استحقاق وجوبها عليه ، فعدل بها إلى بيت المال ، فإذا مات الموصى له ، فهل تنتقل المنفعة إلى وارثه أم لا ؟  
على وجهين حكاهما  أبو علي الطبري   في إفصاحه :  
أحدهما : أن المنفعة تنتقل إلى ورثته لتقومها على الأبد في حقه . فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة العبد .  
والوجه الثاني : قد انقطعت الوصية بموت الموصى له ؛ لأنه وصي له في عينه بالخدمة لا لغيره .  
فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة الموصى له ، ثم تعود بعد موته إلى ورثة الموصي .  
				
						
						
