فصل : في خلع الثلث  
قال  مالك بن أنس      - رحمة الله عليه - :      [ ص: 266 ]    " إذا  أوصى الرجل بمائة دينار له حاضرة وترك غيرها ألف دينار دينا غائبة      : فالورثة بالخيار بين إمضاء الوصية بالمائة كلها عاجلا ، سواء أمضى الدين وسلم الغائب أم لا ، وبين أن يسلموا ثلث المائة الحاضرة وثلث الدين من المال الغائب ويصير الموصى له بالمائة شريكا بالثلث في كل التركة وإن كثرت وسمي ذلك خلع الثلث ، واستدلالا بأن للموصى له ثلث ماله ، فإذا غير الوصية في بعضه ، فقد أدخل الضرر عليهم بتعيينه ، فصار لهم الخيار بين التزام الضرر بالتعيين وبين العدول إلى ما كان يستحقه الموصى له ، فهذا دليل  مالك   وما عليه في هذا القول .  
واستدل  إسماعيل بن إسحاق   بأن تعيين الموصي للمائة الحاضرة من جملة التركة الغائبة بمنزلة القبول للجاني إذا تعلقت الجناية في رقبته فسيده بالخيار بين أن يفديه بأرش جنايته ، أو تسليمه .  
فهذا مذهب  مالك   ودليلاه .  
ومذهب  الشافعي      : أن للموصى له ثلث المائة الحاضرة ، وثلثاها الباقي موقوف على قبض الدين ووصول الغائب ، لا يتصرف فيه الوراث ولا الموصى له ، وإذا قبض الدين ووصل من الغائب ما يخرج المائة كلها من ثلثه أمضيت الوصية بجميع المائة .  
وإن وصل ما يخرج بعضها أمضي قدر ما احتمله الثلث منها ، فإن برئ الدين وقدم الغائب ، استقرت الوصية في ثلث المائة الحاضرة وتصرف الورثة في ثلثيها ؛ لأنها صارت جميع التركة .  
واختلف أصحابنا إذا انتظر بالوصية قبض الدين ووصول الغائب ، هل يمكن الموصى له من التصرف في ثلث المائة ؟ على وجهين :  
أحدهما : يمكن من التصرف فيها ؛ لأنه ثلث محض .  
والوجه الثاني : يمنع من التصرف فيها ؛ لأنه لا يجوز أن يتصرف الموصى له فيما لا يتصرف الورثة في مثليه ، وقد منع الورثة من التصرف في ثلث المائة الموقوف ، فوجب أن يمنع الموصى له من التصرف في الثلث الممضي .  
والدليل على فساد ما ذهب إليه  مالك   أنه يئول إلى أحد أمرين بمنع الوصية منها ؛ لأنه إذا خير الورثة بين التزام الوصية في ثلث كل التركة ، أو إمضاء الوصية في كل المائة ، فكل واحد من الأمرين خارج عن حكم الوصية ، لأنهم إذا اختاروا منعه من كل المائة ، فقد ألزمهم ثلث كل التركة ، وذلك غير موصى له ،      [ ص: 267 ] وإن اختاروا ألا يعطوا ثلث التركة ، فقد ألزمهم إمضاء الوصية بكل المائة ، فعلم فساد [ دليل ] مذهبه بما يئول إليه حال كل واحد من الخيارين .  
وأما جعلهم تعيين الوصية بالمائة الحاضرة أدخل ضررا ، فالضرر قد رفعناه بوقف الثلثين ، فعلى قبض الدين ووصول الغائب ، فصار الضرر بذلك مرتفعا ، وإذا زال الضرر ارتفعت الجناية منه فبطل الخيار فيه .  
فإذا تقرر ما وصفناه يفرع على ذلك :  
أن يوصي بعتق عبد حاضر وباقي تركته التي يخرج كل العبد من ثلثها دين غائب ، فيعتق في العبد ثلثه ويوقف ثلثاه على قبض الدين ووصول الغائب .  
فإذا قبض أوصل منهما ، أو من أحدهما كما يخرج كل العبد من ثلثه لعتق جميعه وهل يمكن الورثة في خلال وقف الثلثين الموقوفين من العبد أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : يمكنون من ذلك لئلا يلزمهم إمضاء الوصية بما لا ينتفعوا بمثليه ، وهذا على الوجه الذي يقول إن الموصى له بالمائة إذا وقف ثلثيها منع من التصرف في ثلثها اعتبارا بالتسوية .  
فعلى هذا إن تلف الدين وتلف الغائب ، استقر ملكهم على ما وقف من ثلثيه وجاز لهم بيعه .  
وإن قبض من الدين ، أو قدم من الغائب ما يخرج جميعه من ثلثه رجع العبد عليهم بما أخذه من كسبه وأجرة خدمته وليس للورثة أن يرجعوا على العبد بما أنفقوه عليه أو استخدموه ؛ لأنه قد كان لهم إجازة عتقه ، فصاروا متطوعين بالنفقة عليه .  
والوجه الثاني : أنهم يمنعون من ذلك ، كما يمنعون من التصرف بالبيع ؛ لأن الظاهر نفوذ الوصية بعتقه وهذا على الوجه الذي يجوز للموصى له التصرف في ثلث المائة وإن منع الورثة من التصرف في ثلثيها .  
فعلى هذا إن برئ الدين وتلف الغائب رق ثلثاه ورجع الورثة بثلثي كسبه .  
				
						
						
