مسألة : قال  الشافعي      :   " قالت  عائشة     - رضي الله عنها - :  ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء   ، قال : كأنها تعني اللاتي حظرهن عليه " .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا في حظر الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في طلاق نسائه بعد تخييرهن ، وتحريم النكاح عليهن ، فأما تحريم طلاقهن فقد كان باقيا عليه إلى أن قبضه الله تعالى إليه ، وما كان من طلاقه  لحفصة  واسترجاعها وإزماعه طلاق   سودة  حتى وهبت يومها  لعائشة  ، فإنما كان قبل التخيير ، وأما تحريم النكاح فقد اختلف في ثبوت حكمه ونسخه ، فزعم بعض  أهل العراق      : أن تحريم النكاح عليه كان ثابتا إلى أن قبضه الله تعالى إليه بدلالة أشياء .  
أحدهما : قوله تعالى :  لا يحل لك النساء من بعد      [ الأحزاب : 52 ] وكان هذا على الأبد .  
والثاني : أن الله تعالى جعله مقابلة على اختيارهن على طريق الجزاء ، فلم يجز أن يتعقبه رجوع .  
والثالث : أنه لما كان تحريم طلاقهن باقيا وجب أن يكون تحريم النكاح عليهن باقيا : لأنهما جميعا جزاء .  
وذهب  الشافعي   إلى أن تحريم النكاح عليهن نسخ حين اتسعت الفتوح ،  فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى أحل له النساء ، وهذا قول  عائشة  وأبي بن كعب   ، والدليل قوله      [ ص: 14 ] تعالى :  ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك   الآية [ الأحزاب : 50 ] .  
والإحلال يقضي عدم الحظر ، ولم يحظر على النبي صلى الله عليه وسلم النكاح قبل التخيير ، فدل على أن الإحلال والإباحة بعد حظر التخيير .  
فإن قيل : فهذا الإحلال إنما يوجه إلى نسائه اللاتي خيرهن واخترنه - وهذا قول  مجاهد      - قيل : لا يصح من وجهين :  
أحدهما : أنهن قد كن حلاله قبل نزول هذه الآية بإحلالهن .  
والثاني : أنه قال فيها :  وبنات عمك وبنات عماتك      [ الأحزاب : 50 ] ولم يكن في نسائه المتخيرات أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته .  
فإن قيل : فهذه الآية متقدمة في التلاوة على قوله تعالى :  لا يحل لك النساء من بعد   ولا يجوز أن يكون المتقدم ناسخا للمتأخر .  
قيل : هي وإن كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في التنزيل ، فجاز النسخ بها كما أن قوله تعالى :  والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا      [ البقرة : 234 ] ناسخ لقوله تعالى :  والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول      [ البقرة : 240 ] وهي متقدمة في التلاوة ، لكنها متأخرة في التنزيل .  
فإن قيل : فهلا قدمت تلاوة ما تأخر تنزيله ؟ .  
قيل : لأن  جبريل   عليه السلام كان إذا نزل على رسول صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن أمره أن يضعها في موضع كذا .  
فإن قيل : فلم أمره بتقديم تلاوة ما تأخر تنزيله .  
قيل : لسبق القارئ إلى معرفة حكمه حتى إن لم يعرف حكم ما بعده من المنسوخ أجزأه .  
ويدل على نسخ الحظر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطفى   صفية بنت حيي  من سبي  خيبر   سنة ثمان ، فأعتقها وتزوجها ، وذلك بعد التخيير ، فقد  قالت  عائشة  وأبي بن كعب      : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبيح له النساء  ، وهما بذلك أعرف : ولأن علة الحظر الضيق والشدة ، فإذا زالت زال موجبها ، وقد فتح الله تعالى على رسوله حتى وسع على نسائه ، وأجرى لكل واحدة منهن ثمانين صاعا من تمر وأربعين صاعا من شعير سوى الهدايا والألطاف ، وأما الاستدلال بالآية فقد ذكرنا وجه نسخها ، وأما الجزاء وهو مشروط بحال الضيق والشدة ، وأما الطلاق فالفرق بينه وبين التزويج عليهن أن في طلاقهن قطعا لعصمتهن ، ويخرجن به أن يكون من أزواجه في الآخرة ، وليس في التزويج عليهن قطع لعصمتهن فافترقا والله أعلم .  
فإذا ثبت نسخ الحظر مما ذكرنا فقد اختلف أصحابنا في الإباحة ، هل هي عامة في جميع النساء أو مقصورة على المسميات في الآية . إذا هاجرن معه على وجهين :  
أحدهما : أن الإباحة مقصورة على المسميات من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله      [ ص: 15 ] وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه ، وهذا قول  أبي بن كعب   لرواية  أبي صالح   عن  أم هانئ  ، قالت : نزلت هذه الآية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فنهي عني : لأني لم أهاجر .  
والوجه الثاني : وهو أظهرهما أن الإباحة عامة في جميع النساء : لأنه تزوج بعدها  صفية  ، وليست من المسميات فيها ، ولأن الإباحة رفعت ما تقدمها من الحظر ، ولأنه في استباحة النساء أوسع حكما من جميع أمته ، فلم يجز أن يقصر عنهم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					