مسألة : قال  المزني      : " واختلف قوله في الرجل يتزوجها بعبد يساوي ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها يبلغ ألفا ، فأبطله في أحد القولين ، وأجازه في الآخر ، وجعل ما أصاب قدر المهر من العبد مهرا ، وما أصاب قدر الألف من العبد مبيعا ، ( قال  المزني      ) : أشبه عندي بقوله ألا يجيزه لأنه لا يجيز البيع إذا كان في عقده كراء ، ولا الكتابة إذا كان في عقدها بيع " .  
قال  الماوردي      : وأصل هذه المسألة أن  العقد الواحد إذا جمع عقدين يختلف حكم      [ ص: 460 ] كل واحد منهما على انفراده   ، كعقد جمع بيعا وإجارة ، أو بيعا وصرفا ، أو بيعا وكتابة ، أو بيعا ونكاحا . ففيه  للشافعي   قولان ذكرناهما في كتاب البيوع :  
أحدهما : أنه صحيح فيهما ؛ لأمرين :  
أحدهما : أنه لما صح إفرادهما ، صح الجمع بينهما كالبيعتين والإجارتين .  
والثاني : أن اختلاف حكمهما لا يمنع من الجمع بينهما في عقد واحد ، كما لو  ابتاع في عقد شقصا يجب فيه الشفعة وعرضا لا تجب فيه الشفعة   ، وكما لو  ابتاع عبدين أحدهما أبوه يعتق عليه بالشراء ، والآخر أجنبي لا يعتق عليه بالشراء      .  
والقول الثاني : أن العقد باطل فيهما لأمرين :  
أحدهما : أن العقد الواحد له حكم واحد ، فإذا جمع ما يختلف حكمه تنافى ، فيبطل كما لو قال : بعتك عبدي واشتريته منك .  
والثاني : أن مقابلة العوض لهما مفض إلى جهالة العوض فيما يقابل كل واحد منهما . وإذا كان عوض العقد مجهولا بطل .  
فصل : فإذا تقرر هذان القولان جئنا إلى تفصيل ما جمعه العقد الواحد من العقدين المختلفين فنقول :  
أما إذا  جمع بيعا وإجارة   ، فهو أن يقول : بعتك عبدي هذا وأجرتك داري هذه سنة بألف ، فالبيع يثبت فيه خيار المجلس بالعقد ، وخيار الثلاث بالشرط ، والإجارة لا يثبت فيها خيار الشرط ، واختلف أصحابنا في ثبوت خيار العقد .  
وإذا كان كذلك فأحد القولين : أنهما باطلان ، فعلى هذا يترادان .  
والقول الثاني : أنهما جائزان ، فعلى هذا ينظر قيمة العبد ؛ فإذا قيل : خمسمائة ، نظر أجرة مثل الدار سنة ، فإذا قيل : مائة ، علم أن أجرة الدار من الألف سدسها ، وثمن العبد من الألف خمسة أسداسها .  
وأما إذا  جمع العقد بيعا وصرفا   ، فهو أن يبيعه ثوبا ودينارا بمائة درهم . فما قابل الثوب بيع ، وما قابل الدينار منها صرف ، والبيع لا يلزم إلا بالتفريق ، والصرف يبطل إن لم يتقابضا قبل التفرق .  
فأحد القولين : أنه باطل فيهما ويتراجعان .  
والثاني : أنه جائز فيهما ويقسط المائة على قيمتها .  
وأما إذا  جمع بيعا وكتابة   ، فهو أن يقول : بعتك عبدي هذا ، وكاتبتك على نجمين بألف .  
فإن قيل بأن اختلاف الحكمين يبطل العقد : فالعقد في البيع والكتابة باطل .  
وإذا قيل بأن اختلاف الحكمين لا يبطل العقد : فالعقد في البيع باطل ؛ لأنه باع عبده على عبده .  
 [ ص: 461 ] وهل تبطل الكتابة أم لا ؟ على قولين من تفريق الصفقة .  
وأما إذا  جمع بيعا ونكاحا   فهو أن يقول : قد تزوجتك واشتريت عبدك بألف ، فما قابل العبد بيع ، وما قابل البضع صداق .  
فأحد القولين : أنه باطل فيهما ، فعلى هذا يبطل البيع من العقد ، ويبطل الصداق في النكاح ، ولا يبطل النكاح ؛ لأن فساد الصداق لا يوجب فساد النكاح ، ويكون لها مهر مثلها .  
والقول الثاني : أنه جائز فيهما ، فعلى هذا يقوم العبد .  
فإذا قيل ألف : نظر مهر مثلها ، فإذا قيل : خمسمائة ، علم أن ثلثي الألف ثمن للعبد ، وثلثها صداق للزوجة ، فلو وجد الزوج بالعبد عيبا فرده استرجع ثلثي الألف ، ولو طلقها قبل الدخول استرجع سدس الألف .  
ولو  تزوجها وأصدقها عبدا على أن أخذ منها ألفا   ، فما قابل الألف من العبد مبيع ، وما قابل البضع منها صداق .  
فأحد القولين : أنهما باطلان ، فترد العبد وتسترجع الألف ويحكم لها بمهر المثل .  
والقول الثاني : أنهما جائزان ، فعلى هذا ينظر مهر المثل ، فإن كان ألفا صار العبد في مقابلة ألفين ؛ إحداهما : صداق ، والأخرى : ثمن . فيكون نصف العبد صداقا ونصفه مبيعا .  
فإن طلقها قبل الدخول ، استرجع ربعه ، ولو كان مهر مثلها ألفين ، صار العبد في مقابلة ثلاثة آلاف درهم ، فيكون ثلثاه صداقا ، إن طلقها قبل الدخول ، استرجع ثلثه ، ويكون ثلث العبد مبيعا ، ولو كان مهر مثلها خمسمائة صار ثلث العبد صداقا ، وثلثاه مبيعا .  
فلو  وجدت بالعبد عيبا   ، فإن رضت بعيبه في البيع والصداق أمسكته ، وإن أرادت الفسخ فيهما كان لها ، ورجعت بالثمن وهو ألف ، وفيما ترجع به من بدل الصداق قولان :  
أحدهما : مهر المثل على قوله الجديد .  
والقول الثاني : قيمة صداقها منه من نصف ، أو ثلثين ، أو ثلث ، ولا يلزمها أن تأخذ ذلك القدر وأرشه في الصداق ؛ لما فيه من تفريق صفقة في معيب .  
ولو أرادت حين ظهرت على عيب العبد أن ترد منه المبيع دون الصداق ، أو ترد منه الصداق دون المبيع ، ففيه قولان من تفريق الصفقة : الأول : يجوز . والثاني : لا يجوز ، إذ تفريق الصفقة لا يجوز .  
فلو تلف العبد في يدها قبل علمها بعيبه رجعت بأرش المبيع من ثمنه ، ومن ماذا ترجع بأرش الصداق ؟ على قولين :  
أحدهما : من قيمته .  
والثاني : من مهر المثل .  
 [ ص: 462 ] فأما  المزني      : فإنه جعل الأولى بقولي  الشافعي   أن يكون العقد باطلا فيهما ، واستشهد بالبيع والإجارة ، وبالبيع والكتابة ، ولا شاهد فيهما ؛ لأن كل ذلك على قولين .  
وحكي عن  المزني      : أنه ذهب إلى جواز العقد فيهما ، وأن جعل الأولى على قول  الشافعي   أن يكون باطلا فيهما ، ولكلا القولين وجه قد مضى ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					