مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " وإن تكلم ، أو سلم عامدا أو أحدث فيما بين إحرامه وبين سلامه استأنف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  تحليلها التسليم     "  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا حكم المتكلم في صلاته ناسيا فأما  المتكلم عامدا   فيها فصلاته باطلة بكل حال سواء كان مما يصلح للصلاة أم لا ، وقال  مالك      :  عمد الكلام لمصلحة الصلاة   لا يبطلها كإعلام الإمام بسهوه ، وما بقي من صلاته وعمده لغير مصلحة الصلاة يبطلها . وقال الأوزاعي : إن كان كلامه لمصلحة ما لم تبطل صلاته سواء لمصلحة صلاته أم لا ، كإرشاد ضال هالك ، أو تحذير ضرير من بئر ، أو سبع استدلالا بقصة  ذي اليدين ،   وكلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، واستثباته  أبا بكر ،   وعمر   ، رضي الله عنهما ، وجوابهما له ، وقوله  لبلال      :    " أقم الصلاة     " ، وكل ذلك كلام عمد يصلح الصلاة ، ثم بنى صلى الله عليه وسلم على صلاته مع جميع أصحابه ، قالوا : ولأنا قد أجمعنا على إباحة عمد الكلام في الصلاة سواء أصلحها أم لا ، ثم نسخ منه ما لا يصلحها إجماعا ، وكان الباقي على إباحته ، فمن أبطل الصلاة فقد أثبت نسخه ، وذلك لا يكون إلا بدلالة قاطعة  
ودليلنا حديث  ابن مسعود ،   وقوله صلى الله عليه وسلم وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ، وهذا حظر عام في جميع الكلام  
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم  استخلف  أبا بكر   ، رضي الله عنه ، على الصلاة ومر ليصلح بين  بني عمرو بن عوف   ، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأبو بكر   ، رضي الله عنه ، في الصلاة ، فصفق الناس إليه حتى التفت فرأى رسول الله ، فقال : ما منعك أن تقف في مقامك فقال : ما كان  لابن أبي قحافة   أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " من نابه شيء في صلاته فليسبح ، فإنما التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء  ففي الخبر دليلان :  
أحدهما : أن الصحابة صفقت إلى  أبي بكر   ، رضي الله عنه ، ولم يتكلم  
 [ ص: 183 ] والثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : "  إذا ناب أحدكم شيء في صلاته فليسبح     " . فجعل صلى الله عليه وسلم  التنبيه بالتسبيح دون الكلام  
 وهذا الخبر عمدة المسألة ، " ولأنه خطاب آدمي في الصلاة على وجه العمد فوجب أن يبطلها قياسا على ما لا يصلحها  
وأما استدلالهم بحديث  ذي اليدين ،   فقد تقدم الجواب عنه مع  أبي حنيفة ،   وقلنا : إن كلهم ناس لكلامه غير عامد لاعتقادهم الخروج من الصلاة ، فإن قيل : فأنتم تقولون إن صلاة المأموم باطلة إذا قال لإمامه قد نسيت صلاتك أو قصرت كقول  ذي اليدين ،   قيل : لاستقراب حكم الصلاة ، وعدم النسخ الذي كان مجوزا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما قولهم إن النسخ لا يكون بأمر محتمل ، وإنما يكون بدلالة قاطعة فالجواب عنه من وجهين :  
أحدهما : أن هذا ليس بنسخ ، لأن  النسخ   هو : رفع ما ثبت بالشرع إما قولا أو فعلا ، وليس جواز الكلام في الصلاة شرعا ، وإنما هو استصحاب للإباحة ، فجاز رفعه بأمر محتمل كما أن شرب النبيذ مباح لا من طريق الشرع ، ولكن استصحاب حال الإباحة فجاز رفعه لمحتمل  
والجواب الثاني : أن هذا نسخ ، لعمري ، ولكن إن لم يقع النسخ لمحتمل وإنما علم كونه منسوخا بأمر محتمل ، كما قال صلى الله عليه وسلم :    " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين     " . ثم  صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه جالسا في مرضه ، وصلى من خلفه قياما ،  فعلم بهذا الفعل تقديم النسخ  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					