فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من  سجود العزائم   فمن السنة لمن قرأها أو سمعها من رجل ، أو امرأة أن يسجد لها ، فإذا أراد السجود لها مستمعا كان ، أو قارئا لم تخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون في صلاة ، أو غير صلاة ، فإن كان في صلاة سجد لها بعد تلاوتها ، ثم  هل يكبر لسجوده ورفعه   أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  أبي إسحاق المروزي   يسجد مكبرا ، ويرفع مكبرا ، ولا يرفع يديه حذو منكبيه ، وهو ظاهر قول  الشافعي      .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي علي بن أبي هريرة      : يسجد غير مكبر ، ويرفع غير مكبر ، وإن كان  في غير صلاة   استقبل القبلة مستور العورة على طهارة ، وكبر وسجد ، وسبح في سجوده كتسبيحه في صلاته ، ويستحب أن يقول في سجوده ما رواه  ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  اللهم اكتب لي بها أجرا   ، وضع عني بها وزرا ، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من  داود    ثم يرفع مكبرا بلا تشهد ، ولا سلام نص عليه      [ ص: 205 ] الشافعي   في البويطي ، وفيه وجه آخر : أنه يحتاج إلى تشهد ، وسلام كالصلوات وفيه وجه آخر : أنه يسلم ، ولا يتشهد كصلاة الجنازة ، فأما  سجود الشكر   فمستحب [ القول في سجود الشكر ] عند حلول نعمة ، أو دفع نقمة ، وقال  أبو حنيفة      : سجود الشكر بدعة ، وهذا خطأ لرواية  عبد الرحمن بن عوف   قال :  خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو  بقيع الغرقد   فسجد ، وأطال ، فسألته عن ذلك فقال : " إن  جبريل   عليه السلام أتاني ، فبشرني بأن من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ، فسجدت لله سبحانه شكرا     .  
وروي  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى نغاشا والنغاش : الناقص الخلق ، فسجد شكرا لله سبحانه     .  
وروي عن  بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة   ، عن أبيه ، عن جده  أبي بكرة   قال :  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض أزواجه ، فأتى بشيره بظفر أصحاب له ، قال : فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا     .  
وروي  عن  أبي بكر   رضي الله عنه ، لما بلغه فتح اليمامة ، وقتل  مسيلمة   أنه قال : الحمد لله ، وسجد شكرا لله عز وجل .  
وروي  عن  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه ، أنه سجد شكرا لله عز وجل ، حين بلغه فتح  القادسية   ،  واليرموك      .  
وروي  عن  علي بن أبي طالب   رضي الله عنه أنه لما رأى  ذا الثدية   بالنهروان   قتيلا سجد شكرا لله سبحانه .  
وقال : لو أعلم شيئا أفضل منه لفعلت  ، وفي استفاضة ذلك ، وتسميتها ، وشاهد العقول لها من حيث أن الواحد يعظم من أنعم عليه عند إدخال نعمة عليه مطابقة لقولنا ، وإبطال قول من جعلها بدعة من مخالفينا ، فإذا أراد سجود الشكر صنع ما يصنع في سجود التلاوة سواء ، ولا يجوز أن يأتي  بسجود الشكر في صلاته   ، ولا إذا قرأ سجدة " ص " فإن سجد في صلاته شكرا بطلت صلاته ، وإن  سجد عندما قرأ سجدة " ص " ففي بطلان صلاته وجهان      :  
أحدهما : باطلة لأنها سجدة شكر .  
 [ ص: 206 ] والثاني : وهو أصح ، صلاته جائزة لتعلقها بالتلاوة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					