مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " ويقضي المرتد كل ما ترك في الردة " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال إذا  ارتد المسلم عن الإسلام زمانا ثم عاد   إلى إسلامه لزمه قضاء ما تركه من الصلاة والصيام ، وما فعله قبل الردة من الصلاة ، والصيام ، والحج مجزئ عنه لا تلزمه إعادته .  
وقال  أبو حنيفة      : قد أحبطت الردة جميع عمله ، فإن عاد إلى الإسلام استأنف الصلاة ، والصيام ، والحج ، ولم يقض ما تركه في زمان ردته كالكافر الأصلي ، فإن كان قد حج قبل ردته أعاد ذلك بعد إسلامه ، لأن الردة قد أحبطت جميع ما عمله .  
واستدل بقوله تعالى :  لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين      [ الزمر : 65 ] . فدل على أن الردة قد أحبطت عمله ، وقوله تعالى :  قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف   واقتضى الظاهر غفران عمله بالانتهاء عن الكفر ، وترك مؤاخذته بإثم ، أو قضاء .  
وبقوله صلى الله عليه وسلم :  الإسلام يجب ما قبله     .  
قال : ولأنه أسلم بعد كفر فوجب أن لا يلزمه قضاء ذلك كالحربي ، والذمي .  
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :  من نام عن صلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها     .  
وفيه دليلان :  
 [ ص: 210 ] أحدهما : أنه الناسي وهو التارك كما قال سبحانه :  نسوا الله فنسيهم      [ التوبة : 67 ] أي : تركهم ، والمرتد تارك ، فوجب أن يلزمه القضاء بحق هذا الظاهر .  
والدلالة الثانية : أنه أوجب القضاء على الناسي ونبه بإيجابه على العامد ، لأنه أغلظ حالا من الناسي ، ولأنه تارك صلاة بمعصية بعد الإسلام فوجب أن يلزمه قضاؤها كالمسلم ، ولأن ما التزمه بإسلامه لا يقدر على إسقاطه بردته ، كغرامة الأموال ، وحقوق الآدميين ، ولأن كل من لم يكن بينه وبين الصلاة إلا شرط هو مطالب بالإتيان به ، فإنه مطالب بالصلاة كالمحدث ، ويخالف الكافر الأصلي ، لأنه وإن كان مكلفا فهو غير مطالب به ، والمرتد مخالف للإسلام ومطالب به ، ولأن  للكفر الأصلي حكمين      :  
أحدهما : يفارق بهما الإسلام ، وهما مفارقة الإيمان وترك الشرعيات ، وللإسلام حكمين يفارق بهما الكفر وهما مفارقة الكفر وفعل الشرعيات ، ثم كانت الردة تقتضي التزام أحدهما وهو مفارقة الكفر وفعل الشرعيات فوجب أن تقتضي الالتزام الآخر وهو فعل الشرعيات .  
وتحريره قياسا : أنه أحد حكمي الإسلام المختص به ، فوجب أن يلزم المرتد كالإيمان ، ولأن من كلف تصديق الغير ، ولم يقدر على تكذيبه ، كلف المصير إلى مقتضى تصديقه .  
أصله المدعى عليه إذا شهد عليه شاهدان بالحق لما كلف تصديق الشهود كلف المصير إلى مقتضى تصديقهما ، وهو الغرم لما شهدا به ، ولما ثبت أن المرتد مكلف لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وجب أن يكلف مقتضى تصديقه ومقتضاه قضاء ما ترك من صلاته ، ولأنه مسلم أحدث ما استبيح به دمه ، فوجب أن لا تسقط عنه الصلاة كالقاتل ، والزاني ، والمحارب ، ولأن أحكام الإسلام جارية عليه في حال ردته في المنع من استرقاقه ، وقبول جزيته ، وهدنته ، ومؤاخذته بجناياته ، فوجب أن يجرى عليه حكم الإسلام في قضاء صلواته ، ولأنه قد اعترف بشرائع الإسلام ، والتزم القيام بها فلم يجز أن يكون عصيانه بالردة عذرا له في إسقاط ما لزمه ، وقضاء ما تركه كالعاصي بشرب الخمر ، أو فعل الزنا فأما قوله تعالى :  لئن أشركت ليحبطن عملك   فالمراد به من مات على ردته ، لأنه عقبها بقوله تعالى :  ولتكونن من الخاسرين      [ الزمر : 65 ] ، وذلك مع أحكام الآخرة : سيما وقد فسره بقوله عز وجل :  ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم      [ البقرة : 217 ] .  
وأما قوله تعالى :  قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف      [ الأنفال : 38 ] ، فالمراد به غفران المآثم دون القضاء ، لأن القضاء فرض مستأنف على أن المرتد مخصوص من هذا العموم بدليل ما ذكرناه ؟ وكذا الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم :  الإسلام يجب ما قبله     .  
 [ ص: 211 ] وأما قياسهم على  الحربي   فالمعنى فيه : أنه لم يعترف بوجوب الصلوات فلأجل ذلك سقط عنه القضاء .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					