فصل : وأما الجواب عن  قوله تعالى :  ثلاثة قروء      [ البقرة : 228 ] يقتضي استكمالها ، والاعتداد بالأطهار مفض إلى الاقتصار على اثنين وبعض الثالث   فمن ثلاثة أوجه : أحدها : أن  القرء ما وقع الاعتداد به من قليل الزمان وكثيره   ؛ لأنه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره عندنا ، ولا فرق بين قليل الحيض وكثيره عندهم ، فصار الطهر الذي طلقت فيه قرءا كاملا وإن كان زمانه قليلا .  
والجواب الثاني : أنه قد ينطلق اسم الثلاث على الاثنين وبعض الثالث كما قال :  الحج أشهر معلومات      [ البقرة : 197 ] وهو شهران وبعض الثالث ، وكقولهم لثلاث خلون وهو يومان وبعض الثالث ، كذلك في الأقراء . والجواب الثالث : أن الطهر وإن أفضى إلى نقصان الثالث إذا طلقت فيه فالحيض مفض إلى الزيادة على الثالث إذا طلقت فيه ، فصار النقصان عندنا مساويا للزيادة عندهم في مخالفة الظاهر ثم عندهم أسوأ حالا من النقصان ، لأن الزيادة عندهم نسخ .  
 [ ص: 171 ] وأما الجواب عن قوله :  ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن      [ البقرة : 228 ] فمن وجهين : أحدهما : أن قوله :  والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء      [ البقرة : 228 ] كلام تام مختص بالعدة ، وقوله :  ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن   استئناف خطاب مبتدأ وليس بتفسير ؛ لما تقدم نهيت فيه عن كتم حملها أو حيضها ، فلم يكن فيه دليل . والثاني : أنه وإن كان تفسيرا عائدا لما تقدم ، فلا دليل فيه من وجهين : أحدهما : لا يحل لهن أن يكتمن الطهر والحيض جميعا فاستويا . والثاني : لا يحل لهن أن يكتمن الحيض ؛ لأن به ينقض الطهر . وأما الجواب عن قوله :  فطلقوهن لعدتهن   ولم يقل فيها من وجهين : أحدهما : أن الطلاق في الطهر المعتد به لا يكون طلاقا في العدة ؛ لأن العدة ما بعد زمان الطلاق . والثاني : أنه ليس يمتنع أن يكون قوله :  لعدتهن   أي في عدتهن كما قال :  ونضع الموازين القسط ليوم القيامة      [ الأنبياء : 47 ] أي في يوم القيامة . وأما الجواب عن قوله :  فعدتهن ثلاثة أشهر      [ الطلاق : 4 ] وأن الانتقال إلى البدل مخالف للمبدل فهو أنه مخالف له ؛ لأنها كانت تعتد بطهر مقدر بحيض ، فصارت بالإياس معتدة بطهر مقدر بالشهور .  
وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم :  طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان  فمن وجهين : أحدهما : أنه ضعيف ، وقال  أبو داود      : مداره على  مظاهر بن أسلم   وهو ضعيف . والثاني : أنه يحمل على أن انقضاء عدتها يكون بحيضتين من غير أن يقع الاعتداد بالحيض ، لأن العدة مقدرة بالحيض والطهر عندنا وعندهم وإن كان المراد بها أحدهما . وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم  لفاطمة بنت أبي حبيش     :  اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك  فمن وجهين : أحدهما : أن هذه زيادة في الخبر ليست بثابتة . والثاني : أن القرء قد ينطلق على الحيض إما حقيقة أو مجازا إذا انضم إلى قرينة ، وإنما الخلاف فيه إذا أطلق . وأما الجواب عن قياسهم على الطرف الثاني : فهو أنه لا يسلم لهم الطرفان لأن      [ ص: 172 ] الطرف الأول لا تنقضي عدتها عندهم إلا بالدخول في الطهر ، والطرف الأول لا يعتد فيه بالحيض إذا طلقت فيه فبطل . وأما الجواب عن قياسهم على الحمل فهو دليلنا ؛ لأن عدة الحامل لزمان كمونه ، والخروج منها بطهوره ، فقياسه أن تكون عدة الحائض زمان كمونه ، والخروج منها بظهوره .  
وأما الجواب عن استدلالهم بأن في الحيض براءة الرحم من الحمل فهو أن انقضاء العدة تكون بالحيض وهو مبرئ ، وإن كان الاعتداد بغيره كالولادة تنقضي بها العدة وبرئ بها الرحم ، وإن كان الاعتداد بما تقدمها . وأما الجواب عن استدلالهم بالحيض في استبراء الأمة فمن وجهين : أحدهما : إن استبرأها على قول بعض أصحابنا يكون بالطهر كالحرة فاستويا . والثاني : أنه يكون بالحيض ، والحرة بالطهر ، والفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أن استبراء الأمة لثبوت الملك ، واستبراء الحرة لزوال الملك ، فكان اختلاف الموجبين دليلا على اختلاف الحكمين . والثاني : أن استبراء الأمة موضع لاستباحة وطئها فكان بالحيض ليتعقبه الطهر المبيح ، واستبراء الحرة موضوع لاستباحة النكاح ، وعقد النكاح يجوز في الحيض كما يجوز في الطهر فاختلفا لاختلاف المقصود بهما والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					