فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من شروط الكفالة في الأبوين ، لم يخل حالهما فيه من ثلاثة أقسام :  
أحدها : أن يتنازعا فيها .  
والثاني : أن يتدافعا عنها .  
والثالث : أن يسلمها أحدهما إلى الآخر .  
فأما القسم الأول وهو  أن يتنازعا فيها ويطلبها كل واحد منهما   ؛ فيخير الولد بينهما ، ويتولى الحاكم تخييره : لأن التنازع إليه ونفوذ الحكم منه .  
وللولد في التخيير ثلاثة أحوال      :  
 [ ص: 506 ] أحدها : أن يختار أحدهما فيكون من اختاره أحق بكفالته أبا كان أو أما .  
والحال الثانية : أن يختارهما فلا يجتمعان فيه مع التنازع ، ويقرع بين الأبوين فأيهما قرع كان أحق بكفالته : لأنه قد ترجح بالقرعة مع التساوي في الاختيار .  
والحال الثالثة : ألا يختار واحدا منهما ، ففيه وجهان : أحدهما : يقرع بينهما ، ويكفله من قرع منهما .  
والوجه الثاني : أن الأم أحق بكفالته لاستحقاقها لحضانته وإن لم يختر غيرها لكفالتها ، وهو أشبه .  
وأما القسم الثاني : وهو أن  يتدافعا كفالته ويمتنعا منها   ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون بعدهما من يستحق كفالته كالجد بعد الأب والجدة بعد الأم ، فيخرجان بالتمانع منها وتنتقل الكفالة إلى من بعدهما ويخير الولد بينهما إذا تكافأت أحوالهما : لأن حق الولد بتمانع الأبوين محفظ بغيرهما .  
والضرب الثاني : أن لا يكون بعدهما مستحق لكفالته لتفرد الأبوين به ؛ ففيه وجهان :  
أحدهما : يكون الولد على خياره ويجبر من اختاره على كفالته : لأن في الكفالة حقا لهما وحقا عليهما ، فإذا سقط بالتمانع حقهما لم يسقط به حق الولد عليهما ولو كان هذا التمانع في وقت الحضانة وقبل الانتهاء إلى وقت التخيير في الكفالة أقرع بينهما ، وأجبر عليها من قرع منها ، لقول الله تعالى :  وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون      [ آل عمران : 44 ] وفيه تأويلان :  
أحدهما : أنهم اختصموا تنازعا لكفالتها فتساهموا عليها .  
والثاني : أنهم اختصموا تدافعا لكفالتها فاستهموا فدل على دخول القرعة في الحالين عند التنازع والتدافع .  
والوجه الثاني : أنه يجبر عليها من وجبت عليه النفقة منهما لوجوبها عليه لقوة سببه .  
وأما القسم الثالث : وهو أن يسلم أحدهما كفالته إلى الآخر فيكون من سلم إليه أحق بكفالته ، ويسقط تخيير الولد فيها ، فإن عاد بعد التسليم مطالبا بها عاد إلى حقه منها ، فإن تنازعا بعد عوده فالقسم الأول . ولو جعلت الكفالة لأحدهما باختيار الولد فدفعها عن نفسه إلى الآخر ، فإن دفعها الآخر عن نفسه فكالقسم الأول وإن قبلها فكالقسم الثالث ، والله أعلم .  
 [ ص: 507 ] 
				
						
						
