فصل : فأما  إذا سقاه سما فمات   فالسم على ستة أقسام :  
أحدها : أن يكون قاتلا في الغالب منفردا ومع غيره ، فهذا يوجب القود ، ويكون هذا السم من آلة القتل كالسيف .  
والقسم الثاني : أن يكون هذا السم قاتلا بانفراده ، ولا يقتل إذا كسر بغيره ، فيجب به القود إن أفرده ، ولا يجب به القود إن كسره .  
والقسم الثالث : أن يقتل إذا خلط بغيره ، ولا يقتل إذا أفرد ، فلا يجب به القود إذا أفرد ، ويجب به القود إذا خلط بما يقتل معه .  
والقسم الرابع : أن يكون مما يقتل العضو الضعيف ، ولا يقتل الجلد القوي فلا يجب به القود في الجلد القوي ، ويجب به القود في العضو الضعيف .  
والقسم الخامس : أن يكون مما يقتل في بعض الفصول في السنة ، ولا يقتل في بعضها فيجب به القود في الفصل القاتل ، ولا يجب في غير الفصل القاتل .  
والقسم السادس : أن يكون مما يقتل تارة ، ولا يقتل أخرى فلا يجب به القود ، وتجب فيه الدية ، ويكون كعمد الخطأ ، فإن اختلف الساقي للسم وولي المسقي في السم .  
فقال الساقي : ليس بقاتل على ما مضى من أقسام ما لا يقتل .  
وقال ولي المسقي : هو قاتل على ما مضى من أقسام ما يقتل ، فإن كان لواحد منهما بينة على ما ادعاه عمل عليها ، وإن عدما البينة فالقول قول الساقي مع يمينه ، لأن الأصل براءة ذمته من قود وعقل .  
فلو اتفقا على أنه قاتل وقال الساقي : لم أعلم أنه قاتل ففيه قولان :  
 [ ص: 86 ] أحدهما : لا قود عليه إذا حلف أنه لم يعلم ، لأنها شبهة محتملة ، وعليه الدية كالخاطئ .  
والقول الثاني : عليه القود ، لأنه قد كان يقدر على استعلام حاله فجرى عليه حكم من علم به .  
فإذا تقرر ما وصفنا من أقسام السم القاتل وأحكامه في وجوب القود وإسقاطه فالكلام بعده في  صفة وصول السم إلى المسموم   ، وهو على ضربين :  
أحدهما : أن يكون من الساقي إكراه على شربه أو أكله فهو قاتل عمد والقود عليه واجب .  
والضرب الثاني : أن لا يكون منه إكراه فهذا على ثلاثة أقسام :  
أحدها : أن يدفع السم من يده إلى المسموم فيشربه المسموم فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يكون صغيرا أو أبله لا يميز ، ويطيع كل أمر فعلى الساقي القود ، كما لو أمر صبيا أو أبله أن يقتل نفسه فقتلها كان عليه القود .  
والضرب الثاني : أن يكون عاقلا مميزا فللساقي حالتان :  
إحداهما : أن يعلمه بأنه سم فيشربه بعد إعلامه به فلا قود على الساقي ولا دية ويكون شارب السم هو القاتل لنفسه ، سواء أعلمه الساقي بعد تسميته بالسم أنه قاتل أو لم يعلمه ، لأن اسم السم ينطلق على ما يقتل .  
والحالة الثانية : أن لا يعلمه عند دفعه إليه أنه سم فهو ضامن لديته ، وفي وجوب القود عليه قولان :  
أحدهما : عليه القود لمباشرة الدفع وإخفاء الحال .  
والقول الثاني : لا قود عليه لشرب المسموم له باختياره فهذا قسم .  
والقسم الثاني : أن يخلطه الساقي بطعام لنفسه فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يأكله المسموم بغير إذن فلا قود على الساقي ولا دية ، والآكل هو القاتل نفسه .  
والضرب الثاني : أن يأذن له في أكل الطعام فيكون كما لو دفعه من يده ، لأن الإذن في الطعام أمر بأكله فيجب عليه الدية ، وفي وجوب القود قولان .  
والقسم الثالث : أن يضعه في طعام المسموم فيأكله المسموم ، وهو لا يعلم      [ ص: 87 ] بسمه ، فيكون الساقي ضامنا لقيمة الطعام ، لأنه قد صار بالسم كالمستهلك ، وفي ضمانه لنفس المسموم ثلاثة أقاويل :  
أحدها : يضمنها بالقود ، وهكذا يكون القتل بالسم في الأغلب .  
والقول الثاني : يضمنها بالدية دون القود لعدم المباشرة من جهته .  
والقول الثالث : أنه لا ضمان عليه من قود ولا دية ، ويكون الفرق على هذا القول بين وضع السم في طعام الساقي ووضعه في طعام المسموم أنه أكل طعام الساقي بأمره فصار بالأمر ضامنا لديته ، وأكل طعام نفسه بغير أمره فلم يضمن ديته ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					