مسألة : وجوب  الطهارة لحمل المصحف ومسه  
 قال  الشافعي   رضي الله عنه : ولا يحمل المصحف ولا يمسه إلا طاهرا .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال الطهارة واجبة لحمل المصحف ومسه ، ولا يجوز أن يحمله من ليس بطاهر وقال  داود بن علي      : يجوز حمله بغير طهارة ، وبه قال  حماد بن أبي      [ ص: 144 ] سليمان   والحكم بن عيينة   استدلالا بما  روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى  قيصر   بسم الله الرحمن الرحيم  قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم      [ آل عمران : 64 ] . وقد علم من حالهم أنهم يمسونه ويتداولونه على غير طهارة ، قالوا : ولأن الطهارة لما لم تجب لقراءة القرآن فأولى ألا تجب بحمل ما كتب فيه القرآن ، قالوا : ولأن كلما لم يكن ستر العورة مستحقا فيه لم تكن الطهارة مستحقة فيه كأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه .  
ودليلنا قوله تعالى :  إنه لقرآن كريم   في كتاب مكنون   لا يمسه إلا المطهرون      [ الواقعة : 79 ] . ومعلوم أن القرآن لا يصح مسه فعلم أن المراد به الكتاب الذي هو أقرب المذكورين إليه ولا يتوجه النهي إلى اللوح المحفوظ ؛ لأنه غير منزل ومسه غير ممكن ، وروي عن  عبد الله بن أبي بكر   أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى  عمرو بن حزم   حين بعثه إلى  نجران      : " ألا تمس المصحف إلا وأنت طاهر     " ، وروى  حكيم بن حزام   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "  لا تمس المصحف إلا طاهرا     " ، فإن قيل أراد بقوله إلا طاهرا يعني : إلا مسلما .  
قيل : فقد روي عن  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "  لا تمس المصحف إلا وأنت طاهر     " فبطل هذا التأويل ، ولأنه إجماع الصحابة روى ذلك عن  علي بن أبي طالب   ،  وسعد بن أبي وقاص   ،  وعبد الله بن عمرو   ليس لهم في الصحابة مخالف ، ولأنه لما كان التطهير من النجاسة مستحقا كان التطهير من الحدث مستحقا فيه كالصلاة .  
فأما الجواب عن كتابه إلى  قيصر   فمن وجهين :  
أحدهما : أن  قيصر   كان مشركا والمشرك ممنوع من مسه بالاتفاق فلم يكن فيه دليل .  
والثاني : أنه كان كتابا قد تضمن مع القرآن دعاء إلى الإسلام ، فلم يكن القرآن بنفسه مقصودا فجاز تغليبا للمقصود فيه ، وأما الجواب عن قولهم : إن تلاوة القرآن أغلظ حكما فهو      [ ص: 145 ] أنه غير مسلم ألا ترى أن الكافر لا يمنع من تلاوة القرآن ويمنع من مس المصحف فكذلك المحدث ، وأما الجواب عن ستر العورة فلأن العضو الذي يمسه به من جسده لا يتعدى كشف العورة إليه ويتعدى حكم الحدث إليه فافترقا .  
فصل : فإذا ثبت أن الطهارة مستحقة في حمل المصحف فلا يجوز للجنب والمحدث والحائض والنفساء حمله ، فأما الذي على بدنه نجاسة فلا يجوز أن يحمله أو يمسه بالعضو النجس من بدنه فأما بأعضائه التي لا نجاسة عليها ففيه وجهان :  
أحدهما : لا يجوز لأنه ممنوع من الصلاة كالمحدث .  
والثاني : وهو قول  أبي إسحاق   يجوز . والفرق بين المحدث والنجاسة أن الحدث يتعدى إلى سائر الأعضاء والنجاسة لا تتعدى إلى غير ما هي عليه من الأعضاء .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					