مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " وروي  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح ، ألا صلوا في رحالكم  ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال :  إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة  قال فيه : أقول : لأن الغائط يشغله عن الخشوع ، قال : فإذا حضر فطره ، أو طعام مطر وبه إليه حاجة ، وكانت نفسه شديدة التوقان إليه أرخصت له في ترك إتيان الجماعة . ( قال  المزني      ) : وقد احتج في موضع آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  إذا  وضع العشاء فأقيمت الصلاة   فابدءوا بالعشاء     ( قال  المزني      ) : فتأوله على هذا المعنى لئلا يشغله منازعة نفسه عما يلزمه من فرض الصلاة .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا في فضل الجماعة ، والحث عليها ما فيه مقنع وغنى ، وذكرنا      [ ص: 304 ] أن من تركها كان مسيئا على قول من يرى أنها سنة ، أو عاصيا على قول من يرى أنها فرض إلا أن يكون معذورا بالتخلف عنها ، فلا يكون مسيئا ، ولا عاصيا ، والعذر على ضربين .  
[ الأول ] : خاص .  
[ الثاني ] : عام ، فالعذر العام المطر الشديد ، والريح الشديدة الباردة ، والوحل المانع إلا أن  المطر عذر في جواز التخلف عن الجماعة ، وجواز الجمع بين الصلاتين   ،  والوحل ، والريح ليسا بعذر في جواز الجمع بين الصلاتين   ، ومن ذلك الزلزلة ، والخوف العام من متغلب غير مأمون على نفس أو مال .  
والدليل على جواز  ترك الجماعة   بما ذكرناه من الأعذار العامة ما رواه  نافع   ، عن  ابن عمر   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة ، والليلة ذات الريح : ألا صلوا في رحالكم  وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :  إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال .  وما ورد في هذا الحديث من تأويلات  
وفي النعال ثلاثة تأويلات .  
أحدها : أنه عنى بها النعال المعهودة في اللباس .  
والثاني : أنه عنى بها الأرجل والأقدام .  
والثالث : أنه عنى بها حجارة صغارا : فهو أن يكون مريضا ، أو مشغولا بتمريض قريب له أو نسيب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك صلاة الجماعة في مرضه ، أو يدافع الأخبثين أي : الغائط والبول ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :  لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين      .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  لا يصلي أحدكم وهو زناء أو يكون تائق النفس إلى  الطعام عند حضور الجماعة   شديد القوم إليه لغلبة الجوع عليه ، فيبدأ بما يطفي لهب جوعه ، ويسكن توقان نفسه من أكل تمرة ، أو تمرتين ، أو لقمة ، أو لقمتين ، فإن علم بعد ذلك أنه يدرك صلاة الجماعة بادر إليها ، ولم يستوف أكله ، فإن فاتته الجماعة ، وكان وقت الصلاة باقيا كان له أن يستوفي أكله .  
وأصل ذلك في رواية  أنس بن مالك   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء     .  
 [ ص: 305 ] وحكم العشاء والغداء في ذلك سواء ، وكذلك حكم صلاة العشاء ، وغيرها من الصلوات ، في ذلك سواء ومن العذر أيضا : أن يخاف على نفسه ، أو ماله من سلطان ، أو ذا جر ، أو يكون ذا عسرة يخاف ملازمة غريم شحيح ، أو يكون مسافرا ، ويخاف إن صلى جماعة أن يرحل أصحابه ، وينقطع عن صحبتهم ، فهذا وما أشبهه عذر في ترك الجماعة ، لأن كل ذلك خوف ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول    : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ، فقيل : وما العذر قال : المرض والخوف  ، ولأن هذه أحوال تمنعه وتبعثه على العجلة ، وتدعوه إلى السهو فعذر بترك الجماعة من أجلها ، وكذلك نظائرها وأشباهها - والله أعلم بالصواب -  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					