فصل : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الاستسرار بدعائه مدة ثلاث سنين من مبعثه ، وقد انتشرت دعوته في  قريش   ، إلى أن  أمر بالدعاء جهرا   ، ونزل عليه قول الله تعالى :  فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين      [ الحجر : 94 ] . فلزمه الجهر بالدعاء ، وأمر أن يبدأ  بإنذار عشيرته   ، فقال تعالى :  وأنذر عشيرتك الأقربين   ،  واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين      [ الشعراء : 214 ، 215 ] .  
قال  ابن عباس      :  فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  الصفا   ، فهتف : يا صاحباه ، يا  بني عبد المطلب   ، يا  بني عبد مناف   ، حتى ذكر الأقرب فالأقرب من قبائل  قريش   ، فاجتمعوا إليه ، وقالوا : ما لك ؟ فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى : ما جربنا عليك كذبا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد : فقال  أبو لهب      : تبا لك ، ألهذا جمعتنا ثم قام ، فأنزل الله تعالى :  تبت يدا أبي لهب وتب      [ المسد : 1 ]     . إلى آخر السورة .  
قال  ابن إسحاق      : ولم يكن من  قريش   في دعائه لهم مباعدة له ولكن ردوا عليه بعض الرد ، حتى ذكر آلهتهم وعابها ، وسفه أحلامهم في عبادتها ، فلما فعل ذلك أجمعوا على خلافه ، وتظاهروا بعداوته إلا من عصمه الله منهم بالإسلام ، وهم قليل مستخفون ، وحدب عليه عمه  أبو طالب   فمنع منه ، وقام دونه ، وإن كان على رأيهم . فلما طال هذا عليهم  اجتمعت مشيخة  قريش   إلى  أبي طالب   وقالوا : إن ابن أخيك قد عاب علينا ديننا ، وسب آلهتنا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه ؛ فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فقال لهم  أبو طالب   قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دعائه ، فلما كبر ذلك على  قريش   ، واشتد بهم ، عادوا إلى  أبي طالب   ثانية ، وقالوا : قد استنهيناك ابن أخيك ، ولم تنهه واستكففناك فلم تكفه ، وأنت كبيرنا فأنصفنا منه ، ومره أن يكف عن شتم آلهتنا ، حتى ندعه وإلهه الذي يعبده ، فبعث إليه  أبو طالب   ، فلما دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا ابن أخي ، هؤلاء مشيخة قومك ، وقد سألوك النصف أن تكف عن شتم آلهتهم ، ويدعوك وإلهك فقال : أوعم ، أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها ؟ قال وإلى ما تدعوهم ؟ قال : أدعوهم إلى كلمة تدين لهم بها العرب ، ويملكون بها العجم ، قال  أبو جهل      : ما هي وأبيك      [ ص: 11 ] لنعطينكها ، وعشر أمثالها ، قال : تقول لا إله إلا الله ، فنفروا وقالوا : لا ، سلنا غير هذه ، فقال : لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها ؛ فغضبوا وقالوا  أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب   ، ثم قالوا والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا  وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد      [ ص : 6 ، 7 ]  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					