فصل : فأما الهجرة في زماننا فتختص بمن  أسلم في دار الحرب   في الهجرة منها إلى دار إسلام ، ولا تختص بدار الإمام .  
وحاله ينقسم فيها خمسة أقسام :  
أحدها : أن يقدر على الامتناع في دار الحرب بالاعتزال ، ويقدر على الدعاء والقتال فهذا يجب عليه أن يقيم في دار الحرب : لأنها صارت بإسلامه واعتزاله دار الإسلام ويجب عليه دعاء المشركين إلى الإسلام بما استطاع من نصرته بجدال أو قتال .  
والقسم الثاني : أن يقدر على الامتناع والاعتزال ولا يقدر على الدعاء والقتال ، فهذا يجب عليه أن يقيم ولا يهاجر : لأن داره قد صارت باعتزاله دار إسلام ، وإن هاجر عنها عادت دار حرب ، ولا يجب عليه الدعاء والقتال لعجزه عنها .  
والقسم الثالث : أن يقدر على الامتناع ولا يقدر على الاعتزال ولا على الدعاء والقتال ، فهذا لا يجب عليه المقام : لأنه لم تصر داره دار إسلام ، ولا تجب عليه الهجرة : لأنه يقدر على الامتناع ، وله ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يرجو ظهور الإسلام بمقامه ، فالأولى به أن يقيم ولا يهاجر .  
والثاني : أن يرجو نصرة المسلمين بهجرته فالأولى به أن يهاجر ولا يقيم .  
والثالث : أن تتساوى أحواله في المقام والهجرة ، فهو بالخيار بين المقام والهجرة .  
والقسم الرابع : أن لا يقدر على الامتناع ويقدر على الهجرة ، فواجب عليه أن يهاجر وهو عاص إن أقام ، وفي مثله قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :  أنا بريء من كل مسلم مع مشرك  قيل : ولم يا رسول الله ، قال :  لا تراءى ناراهما  ، ومعناه : لا يتفق رأياهما ، فعبر عن الرأي بالنار : لأن الإنسان يستضيء بالرأي كما يستضيء بالنار .  
 [ ص: 105 ] ومثله ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا تستضيئوا بنار أهل الشرك  أي : لا تقتدوا بآرائهم .  
والقسم الخامس : أن لا يقدر على الامتناع ويضعف عن الهجرة فتسقط عنه الهجرة : لعجزه ، ويجوز أن يدفع عن نفسه بإظهار الكفر ، ويكون مسلما باعتقاد الإسلام والتزام أحكامه ، ولا يجوز لمن قدر على الهجرة أن يتظاهر بالكفر لأنه غير مضطر والعاجز عن الهجرة مضطر ، ويكون فرض الهجرة على من آمن فيها باقيا ما بقي للشرك دار .  
روى  معاوية بن أبي سفيان   قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :  لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها     .  
فإن قيل : فقد روى  ابن عباس   عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم فتح  مكة      :  لا هجرة بعد اليوم ولكن جهاد ونية     .  
قيل : في تأويله وجهان :  
أحدهما : لا هجرة من  مكة   بعد اليوم : لأنها قد صارت بعد الفتح دار إسلام .  
الثاني : لا فضيلة للهجرة بعد اليوم كفضيلتها قبل اليوم : لأنها كانت قبل الفتح أشق منها بعده فكان فضلها أكثر من فضلها بعده .  
وفي تسميتها " هجرة " وجهان :  
أحدهما : لأنه يهجر فيها ما ألف من وطن وأهل .  
والثاني : لأنه يهجر فيها العادة من عمل أو كسب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					