فصل : وأما الثاني وهو قتال المشركين في ديارهم فينبغي  للإمام أن يبدأ بقتال الأقرب فالأقرب من بلاد الإسلام      : لقول الله تعالى :  قاتلوا الذين يلونكم من الكفار   ، ولأن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتالهم جارية بذلك : ولأن الأقرب أخوف ، وهو على انتهاز الفرصة منهم أحذر : ولأن قتال الأقرب أسهل ، والخبرة به أكثر ، وهذا أصل يعمل عليه تكافؤ الأحوال . وجملته أن  للأقرب والأبعد ثلاثة أحوال      :  
أحدها : أن يكون الأقرب أخوف جانبا ، وأقوى عدة : فوجب أن يبدأ بالأقرب ، ولا يقاتل الأبعد إلا بعد فراغه من قتال الأقرب : إما بظفر أو صلح .  
والحال الثانية : أن يكون الأبعد أخوف من الأقرب : فيبدأ بقتال الأبعد لقوته ، لكن بعد أن يفعل ما يأمن به الأقرب من مهادنته ، وأن يجعل بإزائه من يرده إن قصده .  
والحال الثالثة : أن يتساوى الأبعد والأقرب في القوة والخوف فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون البعدى وراء القربى : لأن تفريق الجيش مضيعة .  
والضرب الثاني : أن تكون القربى في جهة ، والبعدى في أخرى ، فإن كان إذا تفرق الجيش عليهما قدروا على قتالهما : جاز أن يقاتل أيتهما شاء بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه ، ويستبقي للأخرى من يقوم بقتالها إن نفرت ، أو يجمع قتالهما معا ، وإن كان إذا تفرق الجيش ضعفوا عنه وجب أن يبدأ بقتال القربى قبل البعدى : لما قدمناه من الدليل .  
				
						
						
