فصل :  وإذا حاصر الإمام بلدا أو قلعة في دار الحرب ، ثم صالحهم على تحكيم رجل من المسلمين   ، ليحكم فيهم بما يؤديه اجتهاده إليه إذا كان من أهل الاجتهاد مستوفيا  لشروط الحكام   ، وهي البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والإسلام ، والذكورية ، والعلم .  
 [ ص: 280 ] فإذا استكمل هذه الشروط السبعة صح أن يحكم فيهم برأيه كما حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  سعد بن معاذ   في  بني قريظة   ، فحكم أن من جرت عليه الموسى قتل ، ومن لم تجر عليه استرق ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  هذا حكم الله من فوق سبع أرقعة  ، وهي سبع سماوات ،  وإن أخل بشرط منها   لم يجز أن يحكم فيهم ، فإن كان هذا المحكم فيهم أعمى جاز تحكيمه ، وإن كان لا يجوز أن يكون حاكما في عموم الأحكام : لأنه يحكم بما اشتهرت فيه أحوالهم ، وتظاهرت به أخبارهم ، فاستوى فيها الأعمى والبصير ، كما يستويان في الشهادة بما تعلق باستفاضة الأخبار ، فإن  صولحوا على تحكيم غير معين   ، ليقع الاختيار له ، أو التعيين عليه من بعد لم يخل من ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يكون موقوفا على اختيار المسلمين له ، فيصح .  
والثاني : أن يكون موقوفا على اختيار المشركين له ، فلا يصح .  
والثالث : أن يكون موقوفا على اختيار المسلمين والمشركين ، فيصح : لأن  بني قريظة   سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحكيم  سعد بن معاذ   فأجابهم إليه ، فإن اتفق المسلمون والمشركون على اختياره انعقد تحكيمه ونفذ فيهم حكمه ، وإن اختلفوا لم ينعقد تحكيمه وأعيدوا إلى مأمنهم حتى يستأنفوا اختيارا أو صلحا ، فإن صولحوا على تحكيم أسير في أيديهم نظر .  
فإن كان في وقت اختياره للتحكيم أسيرا لم يصح تحكيمه : لأنه مقهور لا ينفذ حكمه ، وإن كان قد أطلق قبل تحكيمه كرهناه حذرا للممايلة وصح تحكيمه لأن دينه يمنعه من الممايلة ، وهكذا لو عقد التحكيم على رجل منهم قد أسلم قبل التحكيم جاز وإن كره .  
وإذا انعقد الصلح على تحكيم رجلين   جاز : لأن اجتهادهما أقوى ونفذ حكمهما إن اتفقا عليه ، ولم ينفذ إن اختلفا فيه ،  وإذا مات الحكم قبل حكمه ، أو استعفى واعتزل أعيدوا   إلى مأمنهم حتى يستأنفوا صلحا على تحكيم غيره .  
فإذا تقررت هذه الجملة وانعقد التحكيم على رجل بعينه اجتهد رأيه في الأصلح للمسلمين دون المشركين : لعلو الإسلام على الشرك ، فإن أداه اجتهاده إلى قتل رجالهم ، وسبي ذراريهم جاز ولزمهم حكمه كالذي حكم له  سعد   في  بني قريظة   ، فإن  رأى الإمام بعد ذلك المن على من حكم بقتله من رجالهم   جاز ، وإن رأى المن على من حكم بسبيه من ذراريهم نظر .  
فإن كان بعد استرقاقهم لم يجز إلا بمراضاة الغانمين كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبي هوازن   حين من ، وإن كان قبل استرقاقهم جاز : لأن  سعدا   لما حكم في  بني قريظة    [ ص: 281 ] بالقتل والسبي ، جاء  ثابت الأنصاري   ، فقال : يا رسول الله ، إن  الزبير بن باطأ اليهودي   عندي ، وقد سأل أن نهب له دمه وماله ، ففعل ووهب له دمه وماله .  
وإن رأى الإمام أن يسترق رجالهم أو يأخذ فداهم لم يجز إلا عن مراضاتهم : لأنه نقض حكم نفذ بالاستئناف لحكم مجدد ، ولو كان المحكم فيهم قد حكم بالمن على رجالهم وذراريهم نفذ حكمه إذا أداه اجتهاده إليه ، ولم يجز للإمام أن يفسخ حكمه عليه ، وإن حكم عليه بالفداء لم يلزمهم حكمه إن كان المال غير مقدور عليه : لأنه عقد معاوضة لا يلزم إلا عن مراضاة ، ولزمهم حكمه إن كان المال مقدورا عليه : لأنه حكم منه بغنيمة ذلك المال ، فنفذ حكمه به ، وإن حكم باسترقاقهم صاروا بحكمه رقيقا ولم يجز للإمام أن يمن عليهم إلا باستطابة نفوس الغانمين ، وإن حكم عليهم بالجزية وأن يكونوا أهل ذمة لم يلزمهم حكمه بذلك : لأنها عقد معاوضة لا يصح إلا عن مراضاة ، ولو حكم بقتلهم ، فأسلموا سقط القتل عنهم ، ولم يجز استرقاقهم ، ولو حكم استرقاقهم ، فأسلموا لم يسقط استرقاقهم : لأنه يجوز استرقاقهم بعد إسلامهم ، ولا يجوز قتلهم بعد إسلامهم وبالله التوفيق .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					