[ ص: 282 ] كتاب مختصر الجامع من كتاب الجزية  
وما دخل فيه من اختلاف الأحاديث ومن كتاب  الواقدي   
واختلاف  الأوزاعي   وأبي حنيفة   رحمة الله عليهم  
باب من يلحق بأهل الكتاب  
قال  الشافعي      - رحمه الله - : انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله  محمدا      - صلى الله عليه وسلم - وينزل عليه القرآن فدانت دين  أهل الكتاب   فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من  أكيدر دومة   ، وهو رجل يقال : إنه من  غسان   أو من  كندة   ، ومن أهل ذمة  اليمن   ، وعامتهم عرب ، ومن  أهل  نجران    وفيهم عرب ، فدل ما وصفت أن الجزية ليست على الأحساب وإنما هي على الأديان " .  
قال  الماوردي      :  والأصل في أخذ الجزية وأن يصير المشركون بها أهل ذمة الكتاب والسنة      :  قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر    إلى أن قال :  حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون    ، [ التوبة : 29 ] . أما قوله هاهنا : قاتلوا ففيه وجهان :  
أحدهما : يعني جاهدوا .  
والثاني : اقتلوا ، فعبر عن القتل بالمقاتلة لحدوثه في الأغلب عن القتال ، وفي قوله :  الذين لا يؤمنون بالله   وجهان :  
أحدهما : لا يؤمنون بكتاب الله .  
والثاني : لا يؤمنون برسول الله - صلى الله عليه وسلم : لأن تصديق الرسول إيمان بالرسل وإلا فهم مؤمنون بأن الله تعالى واحد معبود .  
وفي قوله :  ولا باليوم الآخر   وإن كانوا يعتقدون البعث والجزاء وجهان :  
أحدهما : أن إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بجميع حقوقه ، فصاروا بترك الإقرار بحقوقه كمن لم يقر به .  
والثاني : أنهم لا يخافون وعيد اليوم الآخر ، فذمهم ذم من لا يؤمن باليوم الآخر .  
وقوله :  ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله   فيه وجهان :  
أحدهما : أنه ما أمر بنسخه من شرائعهم .  
 [ ص: 283 ] والثاني : أنه ما أحله لهم ، وحرمه عليهم .  
وقوله :  ولا يدينون دين الحق   فيه وجهان :  
أحدهما : ما في التوراة والإنجيل من اتباع الرسول ، وهو قول  الكلبي      .  
والثاني : الدخول في شريعة الإسلام ، وهو قول الجمهور ، والحق هاهنا هو الله تعالى .  
وقوله :  من الذين أوتوا الكتاب   فيه وجهان :  
أحدهما : يعني من آباء الذين أوتوا الكتاب .  
والثاني : من الذين أوتوا الكتاب : لأنهم في اتباعه كآبائهم .  
وقوله :  حتى يعطوا الجزية   فيه وجهان :  
أحدهما : حتى يدفعوا الجزية ، وهو قول  أبي حنيفة      : لأنه يوجبه في أول الحول .  
والثاني : حتى يضمنوا الجزية ، وهو قول  الشافعي      : لأنه يوجبها بانقضاء الحول .  
والجزية      : اسم مشتق من الجزاء ، إما على إقرارهم على الكفر ، وإما على مقامهم في دار الإسلام ، والجزية هو المال المأخوذ منهم عن رقابهم ، وفيها وجهان :  
أحدهما : أنها من المجمل الذي يفتقر إلى البيان .  
والثاني : أنها من العموم الذي يعمل ما اشتمل عليه من قليل وكثير ما لم يخصه دليل .  
وقوله :  عن يد   فيه وجهان :  
أحدهما : عن غنى وقدرة .  
والثاني : أن يروا لنا في أخذها منهم بدا عليهم .  
وقوله :  وهم صاغرون   فيه وجهان :  
أحدهما : أن يكونوا أذلاء مقهورين .  
والثاني : أن تجري عليهم أحكام الإسلام ، فدلت هذه الآية على ثلاثة أحكام :  
أحدها : وجوب جهادهم .  
والثاني : جواز قتلهم .  
والثالث : حقن دمائهم بأخذ الجزية منهم .  
ويدل عليه من السنة ما روى  سليمان بن بريدة   ، عن أبيه  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث أميرا على جيش أوصاه بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين      [ ص: 284 ] خيرا ، وقال له : إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث أيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فالجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .  
وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من  أهل  نجران    ، ومن  مجوس هجر   ، وأخذها من  أهل  أيلة    ، وهم ثلاثمائة رجل أخذ منهم ثلاثمائة دينار ، ولأن في أخذ الجزية منهم معونة للمسلمين ، وأناة بالمشركين في توقع استنصارهم ، وذلة لهم ربما تبعثهم على الإسلام ، فجوز النص لهذه المعاني الثلاثة أخذها منهم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					