فصل : وأما الحكم الثاني : في  العرب   ، فاستدل من منع من قبوله جزيتهم بما روي  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا عرض نفسه في المواسم قبل هجرته على القبائل قال لهم : هل لكم في كلمة إذا قلتموها دانت لكم العرب ، وأدت إليكم الجزية العجم  ، فأضاف الجزية إلى العجم ونفاها عن العرب .  
 [ ص: 286 ] وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا يجري على عربي صغار     .  
والجزية صغار بالنص ، وقد نفاه عنهم ، فلم يجزه أخذها منهم ، ولأن كل حرمة ثبتت بالإسلام منعت من قبوله الجزية كالإسلام ، ولأن كل من لم يجز استرقاقه لم تؤخذ جزيته كالمرتد .  
ودليلنا قوله تعالى :  من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية   ، [ التوبة : 29 ] . فكان على عمومه من كل كتابي من عجمي وعربي ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من العرب ، فأخذها من  أكيدر دومة   بعد أسره ، وحمله إلى  المدينة   ، وكان من  غسان   أو من  كندة   ، وأخذها من  أهل  اليمن    ، وأكثرهم عرب ، ومن  أهل  نجران    ، وفيهم عرب ، ولأن كل من جاز إقراره على كفره جاز أخذ جزيته كالعجم ، ولأن وجوب القتل أغلظ من أخذ الجزية ، فلما لم يمنع النسب من القتل ، فأولى أن لا يمنع من الجزية ، ولأنه لما جاز أن يحقن بالجزية دم ضعفت حرمته من العجم ، فلأن يحقن بها دم من قويت حرمته من العرب أولى .  
فأما الجواب عن الخبر الأول ، فهو أن المقصود به سرعة إجابة العرب إلى الإسلام ، وإبطاء  أهل الكتاب   عنه ، وهذا موجود ومعهود .  
وأما الجواب عن قوله :  لا يجري على عربي صغار  ، فالقتل أغلظ ، وهو يجري عليه ، فكانت الجزية أقرب ، وهو محمول على أحد وجهين : إما صغار الاسترقاق .  
والثاني : أن يكون محمولا على أهل  مكة   حين من عليهم بعد الفتح أنهم لا يغزون بعده ، وبه قال  الشافعي      .  
فأما قول  أبي يوسف      : إنه لا تؤخذ الجزية من العرب ، فنحن كنا على هذا أحرص ، ولولا أن نأثم بثمن باطل لرددناه كمـا قال ، وأن  لا يجري على عربي صغار  ، ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما حكم به . فأما قياسهم على الإسلام فباطل : لأن الكفر ضد الإسلام ، فلم يجز أن يقاس عليه .  
وأما قياسهم على المرتد ، فالمرتد لا يجوز أن يقر على ردته ، فلم يجز قبول جزيته ، والعربي يقر على كفره ، فجاز أخذ جزيته .  
فأما استرقاقه ، ففيه قولان مضيا .  
فأما قول  الشافعي      : " انتوت قبائل من العرب " ففيه تأويلان :  
أحدهما : معـناه قربت من بلاد أهل الكتاب .  
والثاني : اختلطت  بأهل الكتاب   ، فدانت دين  أهل الكتاب   ، فأخذها  عمر   بالشام    [ ص: 287 ] من  تنوخ   وبهراء   وبني تغلب   ، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه من بعدها على جواز أخذها من العرب كما جاز أخذها من غير العرب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					