فصل : فإذا ثبت جواز السبق والرمي ، فهو مندوب إليه إن قصد به أهبة الجهاد ، ومباح إن قصد به غيره : لأنه قد يكون عدة للجهاد ، ويجوز  أخذ العوض في المسابقة والمناضلة   ، منهم ومن السلطان على ما سنصفه .  
وحكي عن  أبي حنيفة   أنه منع من أخذ العوض عليه بكل حال ، فمن متأخري أصحابه من أنكره من مذهبه ، وجعله موافقا .  
وقال  مالك      : إن أخرجه السلطان من بيت المال جاز ، وإن أخرجه المتسابقون المتناضلون لم يجز استدلالا بأمرين :  
أحدهما : أنه أخذ عوض على لعب ، فأشبه أخذه على اللهو والصراع .  
والثاني : أنه أخذ مال على غير بدل ، فأشبه القمار .  
ودليلنا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم -  لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل  ، فلما استثناه في الإباحة دل على اختصاصه بالعوض ، ولولا العوض لما احتاج إلى الاستثناء لجواز جميع  الاستباق بغير عوض      .  
وروي أنه  سئل  عثمان بن عفان   رضي الله عنه : أكنتم تراهنون على عهد رسول      [ ص: 183 ] الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له ، فجاءت سابقة ، فلهش لذلك ، وأعجبه     .  
ومعلوم أن الرهن لا يكون إلا على عوض : ولأن في بذل العوض عليه تحريضا على الجهاد ، وبعثا على الاستعداد ، وامتثالا لأمر الله تعالى في قوله :  وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل      [ الأنفال : 60 ] ، وما أفضى إلى هذه المصالح ، فأقل حاليه إذا لم يكن واجبا أن يكون مباحا .  
فأما الجواب عن استدلالهم ، بأنه لعب ، فمن وجهين :  
أحدهما : أن ما فيه من وجوه المصالح يخرجه عن حكم اللعب .  
والثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استثناه ، فقال :  كل اللعب حرام إلا لعب الرجل بفرسه ، ولعبه بقوسه ، ولعبه مع زوجته     .  
وأما الجواب عن استدلالهم بأنه قمار ، فمن وجهين :  
أحدهما : أن السبق خارج عن القمار : لأن القمار ما لم يخل صاحبه من أخذ أو إعطاء ، وقد يخلو السابق من أخذ وإعطاء : لأن بينهما محللا .  
والثاني : أن تحريم القمار بالشرع ، وإباحة السبق بالشرع ، فلو جاز  إلحاق السبق بالقمار   من التحريم لجاز لأحد أن يلحق القمار بالسبق في التحليل ، فلما كان هذا في إباحة القمار فاسدا ، أوجب أن يكون في تحريم السبق فاسدا ، ولزم الوقوف على ما ورد به الشرع فيهما .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					