هل يحكم القاضي بما يجده في ديوانه من الحجج والكتب دون أن يتذكرها ؟   
مسألة : قال  الشافعي      : ولا يقبل من ذلك ولا مما وجد في ديوانه إلا ما حفظ ؛ لأنه قد يطرح في الديوان ويشبه الخط الخط " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح إذا حضر القاضي خصمان وذكر الطالب منهما أن في ديوان القضاء حجة له على خصمه وسأله إخراجها والحكم بها ، وعرض عليه مثل نسختها التي بيده لم يعمل عليها وأخرج نسخة ديوانه ووقف عليها .  
فإذا عرف صحتها وذكر حكمه فيها عمل على ما ذكره وألزم الخصم ما حكم به .  
وإن عرف صحة خطه ولم يذكر وقت حكمه لم يجز أن يحكم بخطه وإن صح في نفسه .  
وبه قال  أبو حنيفة   ومحمد      .  
وقال  ابن أبي ليلى   وأبو يوسف      : يجوز أن يحكم بخطه إذا عرف صحته وإن لم يذكره .  
وهو عرف القضاة في عصرنا .  
استدلالا بأمور منها : أنه قد فعل من الاحتياط بالخط والختم والحفظ غاية ما في وسعه ، فلو لم يعمل عليه لتاهت به الحقوق ، ولبطلت به الأحكام ، ولما احتاج إلى ما فعله من الاحتياط . ومنها : أن العمل به مستفيض والإنكار فيه مرتفع .  
ومنها : أنه لما جاز للراوي أن يروي أخبار الديانات من كتابه إذا وثق بصحته كانت الأحكام بذلك أولى .  
وهذا ليس بصحيح لقول الله تعالى :  ولا تقف ما ليس لك به علم      [ الإسراء : 36 ] ، وما أمضاه بخطه ولم يذكره فقد قفا ما لم يعلمه ، ولأن الحكم أغلظ من الشهادة ، لما تضمنه من الإلزام ، فلما لم تجز الشهادة بمعرفة الخط إلا مع الذكر كان الحكم بذلك أحق .  
 [ ص: 207 ] ولأن الخطوط قد تشتبه ، ويزور عليها ما لا يكاد يفرق بينهما ، ويحتال على الختوم فصار إمضاء الحكم به من غير ذكر مشتبها ، ولا يجوز للقاضي إلزام حق وإمضاء حكم مع الاشتباه والاحتمال .  
فأما الجواب عن قولهم : إنه قد فعل غاية وسعه ليحكم به فهو أنه فعل ذلك ليتذكر به لا ليحكم .  
وأما الجواب عن استدلالهم بالاستفاضة : فهو أنها استفاضة استرسال . وليست باستفاضة اعتقاد .  
وأما الجواب عن الرواية : فهو أن حكم الرواية أوسع ، وفي حفظها مع الكثرة مشقة ، ولما كانت الشهادة مفارقة للرواية بهذا المعنى ، كانت مفارقته للأحكام والإلزام لهذا المعنى أولى .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					