[ ص: 272 ] باب ما على القاضي في الخصوم والشهود  
مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله : "  ينبغي للقاضي أن ينصف الخصمين   في المدخل عليه للحكم والاستماع والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفذ حجته ولا ينهرهما .  
قال  الماوردي      : اعلم أن القضاة زعماء العدل والإنصات ، ندبوا لأن يتناصف بهم الناس ، فكان أولى أن يكونوا أنصف الناس .  
قال الله تعالى :  ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق   الآية [ ص : 26 ] .  
وقال تعالى :  ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله      [ القصص : 50 ] . وروى  عطاء بن يسار   ، عن   أم سلمة  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  من ابتلي بالقضاء بين الناس بالمسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ، ما لا يرفع على الآخر     "  
وروي  أن  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه كتب إلى  أبي موسى الأشعري   ، في عهده على قضاء البصرة : " آس بين الناس ، في وجهك ، ومجلسك ، وعدلك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك .  
آداب القضاة      .  
وللقضاة آداب تزيد بها هيبتهم ، وتقوى بها رهبتهم ، والهيبة والرهبة في القضاة من قواعد نظرهم لتقود الخصوم إلى التناصف وتكفهم عن التجاحد .  
وآدابهم بعد ما قدمنا من الشروط المعتبرة في صحة ولاياتهم ، تشتمل على ثلاثة أقسام :  
أحدهما :  آدابهم في أنفسهم      : وهو معتبر بحال القاضي ، فإن كان موسوما بالزهد والتواضع والخشوع ، كان أبلغ في هيبته ، وأزيد في رهبته .  
وإن كان ممازجا لأبناء الدنيا ، تميز عنهم بما يزيد في هيبته ، من لباس لا يشاركه غيره فيه ، ومجلس لا يساويه غيره فيه وسمت يزيد على غيره فيه .  
ملبس القضاة .  
فأما اللباس فينبغي أن يختص بأنظفها ملبسا   ، ويخص يوم نظره بأفخر لباسه      [ ص: 273 ] جنسا ، ويستكمل ما جرت به العادة بلبسه ، من العمامة والطيلسان وأن يتميز بما جرت به عادة القضاة ، من القلانس والعمائم السود ، والطيالسة السود ، فقد اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخول  مكة   عام الفتح ، بعمامة سوداء تميز بها عن غيره ، ويكون نظيف الجسد ، يأخذ شعره وتقليم ظفره ، وإزالة الرائحة المكروهة من بدنه ، ويستعمل من الطيب ما يخفي لونه ، وتظهر رائحته ، إلا أن يكون في يوم ينظر فيه بين النساء ، فلا يستعمل من الطيب ما نم .  
مجلس القاضي      :  
وأما مجلسه في الحكم فينبغي أن يكون فسيحا لا يضيق بالخصوم ولا يسرع فيه الملل ويفترش بساطا ، لا يزري ، ولا يطغي ، ويختص فيه بمقعد ووسادة ، لا يشاركه غيره فيهما . وليكن جلوسه في صدر مجلسه ، ليعرفه الداخل عليه ببديهة النظر ، ولو كان مستقبلا فيه القبلة كان أفضل .  
ويفتتح مجلسه بركعتين ، يدعو بعدهما بالتوفيق والتسديد ، ثم يطمئن في جلوسه متربعا مستندا أو غير مستند .  
سمت القاضي      .  
وأما سمته : فينبغي أن يكون في مجلس الحكم غاض الطرف ، كثير الصمت ، قليل الكلام ، يقتصر من كلامه على سؤال أو جواب ، ولا يرفع بكلامه صوتا ، إلا لزجر وتأديب ، وليقلل الحركة والإشارة ، وليقف من أعوانه بين يديه من يستدعي الخصوم إليه ، ويرتب مقاعد الناس في مجلسه ، ويكون مهيبا مأمونا لينصان به مجلسه ، وتكمل به هيبته يوم جلوسه للحكم .  
ويجعل يوم جلوسه للحكم العام معروف الزمان والمكان ، وأول النهار أولى به من آخره .  
والاعتدال أن يكون له في كل أسبوع يومان إن أقنعا ، ولا يخل يوم في كل أسبوع .  
فإن وردت فيما عداه أحكام خاصة لم يؤخرها ، إن ضرت وكان فيها بين إن يستخلف من ينوب عنه في النظر ، وبين أن ينظر فيها بنفسه ، بعد أن يستكمل الراحة والدعة لئلا يسرع إليه ملل ولا ضجر .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					