فصل : فإذا تقرر  أحكام الأغاني والملاهي   ، فإن قيل بتحريمها فهي من الصغائر دون الكبائر ، يفتقر إلى الاستغفار ، ولا ترد بها الشهادة إلا مع الإصرار .  
وإن قيل بكراهتها ، فهي من الخلاعة لا يفتقر إلى الاستغفار ولا ترد بها الشهادة إلا مع الإصرار ، وإن كان كذلك فالكلام فيها يشتمل على ثلاثة فصول :  
أحدها : فيمن باشرها بنفسه .  
والثاني : فيمن يستعملها للهوه  
والثالث : فيمن يغشى أهلها .  
فأما المباشر لها بنفسه فله ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يصير منسوبا إليها ومسمى بها ، يقال إنه  مغني يأخذ على غنائه أجرا   ، يدعوه الناس إلى دورهم أو يغشونه لذلك في داره ، فهذا سفيه  مردود الشهادة   ، لأنه قد تعرض لأخبث المكاسب ونسب إلى أقبح الأسماء .  
والحال الثانية : أن يغني لنفسه إذا خلا في داره باليسير استرواحا فهذا مقبول الشهادة ، وقد  كان  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه إذا خلا في داره يترنم بالبيت والبيتين :  
 [ ص: 193 ] واستؤذن عليه ذات يوم  لعبد الرحمن بن عوف   وهو يترنم فقال : أسمعتني يا  عبد الرحمن   ؟ فقال : نعم . قال : إنا إذا خلونا في منازلنا نقول كما يقول الناس     .  
وروي  عن  أبي الدرداء   ، وكان من زهاد الصحابة ، أنه قال : إني لأجم قلبي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق     .  
فإن قرن يسير غنائه بشيء من الملاهي مما حظرناه ، نظر .  
فإن خرج صوته عن داره حتى يسمع منها ، كان سفها ترد به الشهادة .  
وإن خافت به ولم يسمع ، كان عفوا إذا قل ولا ترد به الشهادة .  
والحال الثالثة : أن يغني إذا اجتمع مع إخوته ليستروحوا بصوته وليس بمنقطع عليه . ولا يأخذ عليه أجرا ، نظر :  
فإن كان مشهورا به ، يدعوه الناس لأجله ، كان سفها ترد به الشهادة ، وإن لم يشتهر به ، ولا دعا الناس لأجله ، نظر .  
فإن كان متظاهرا به معلنا له ، ردت شهادته ، وإن كان مستترا به ، لم ترد شهادته والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					