فصل 
مما تستأجر له الأرض ، البناء والغراس والزراعة    . فإذا قال : أجرتك هذه الأرض ، ولم يذكر البناء ولا غيره ، وكانت صالحة للجميع  ، لم يصح العقد ، لأن منافع هذه الجهات مختلفة ، وضررها مختلف ، فوجب التعيين ، كما لو أجر بهيمة ، لا يجوز الإطلاق ، هكذا ذكره الأصحاب ، وجعلوه متفقا عليه ، حتى احتجوا به لأحد الوجهين في إعارة الأرض مطلقا ، لكن قدمنا في مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها  ، تصريحهم بجواز الإجارة مطلقا ، ويشبه أن تكون إجارتها مطلقا ، على وجهين ،   [ ص: 199 ] كإعارتها . والأصح : المنع فيهما . وما ذكروه في إجارة الأرض التي لا ماء لها ، مفرع على الوجه الآخر أو مئول . 
قلت : المذهب ، ما نص عليه الأصحاب في المسائل الثلاث ، فلا تصح الإجارة هنا مطلقا ، وتصح العارية على وجه ، لأن أمرها على التوسعة والإرفاق ، فاحتمل فيها هذا النوع من الجهالة كإباحة الطعام ، بخلاف الإجارة ، فإنها عقد مغابنة ، فهذا عمدة الأصحاب . وأما مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها ، [ فمئولة ] . والله أعلم . 
فرع 
أجر بيتا أو دارا ، لا يحتاج إلى ذكر السكنى  ، لأن الدار لا تستأجر إلا للسكنى ووضع المتاع فيها ، وليس ضررهما بمختلف ، كذا ذكروه ، ويجوز أن يمنع فيقال : قد تستأجر أيضا ليتخذها مسجدا ، ولعمل الحدادين والقصارين ، ولطرح الزبل فيها ، وهي أكثر ضررا ، فما جعلوه مبطلا في الأرض موجود هنا . فإن قيل : ينزل في الدار على أدنى وجوه الانتفاع وهو السكنى ووضع المتاع ، لزم أن يقال في الأرض مثله وينزل على الزراعة ، ومقتضى هذا الأشكال ، أنه يشترط في استئجار الدار بيان أنه يستأجر للسكنى أو غيرها  ، وقد قال به بعض شارحي " المفتاح " . 
فرع 
قال : أجرتك هذه الأرض لتنتفع بها بما شئت  ، صحت الإجارة ، وله أن   [ ص: 200 ] يصنع ما شاء ، لرضاه ، وهذا هو الأصح ، وبه قطع الإمام ،   والغزالي     . وحكى  البغوي  وجها بالمنع ، كبيع عبد من عبيده . ولو قال : أجرتكها للزراعة ، ولم يذكر ما يزرع ، أو للبناء أو للغراس وأطلق  ، صح على الأصح عند الجمهور ، وبالمنع قال  ابن سريج  ، ونقله   ابن كج  عن النص في " الجامع الكبير " . ومن جوز قال : يزرع ما شاء ، للإطلاق . وكان يحتمل التنزيل على الأقل . ولو قال : أجرتكها لتزرع ما شئت  ، صحت الإجارة ، ويزرع ما شاء ، نص عليه . وعن   ابن القطان  وجه : أنها فاسدة كبيع عبد من عبيده . ولو قال : أجرتكها لتزرع أو تغرس  ، لم يصح . ولو قال : إن شئت فازرعها ، وإن شئت فاغرسها ، صح على الأصح ، ويخير المستأجر . ولو قال : أجرتكها فازرعها واغرسها ، أو لتزرعها وتغرسها  ، ولم يبين القدر ، فوجهان . أحدهما وبه قال  ابن سلمة     : يصح وينزل على النصف . وعلى هذا ، فله أن يزرع الجميع ، لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ، ولا يجوز أن يغرس الجميع . وأصحهما : لا يصح ، وبه قال  المزني  ،  وابن سريج  ،  وأبو إسحاق  ، لعدم البيان ، بل قال  القفال     : لو قال : ازرع النصف واغرس النصف  ، لم يصح ، لأنه لم يبين المغروس والمزروع ، فصار كقوله : بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة . 
فرع 
يشترط في استئجار الأرض للبناء  ، بيان موضعه وطوله وعرضه ، وفي بيان قدر ارتفاعه ، وجهان سبقا في كتاب الصلح . أصحهما : لا يشترط ، بخلاف ما إذا استأجر سقفا للبناء . النوع الثالث : الدواب ، وتستأجر لأغراض . منها : الركوب  ، وفيه مسائل . إحداها : يشترط أن يعرف المؤجر الراكب  ، وطريق معرفته المشاهدة ، كذا   [ ص: 201 ] قاله الجمهور . والأصح : أن الوصف التام يكفي عنها . ثم قيل : يصفه بالوزن . وقيل : بالضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا . الثانية : إن كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه ، فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه  ، لكن المؤجر يركبه على ما شاء من سرج وإكاف وزاملة على ما يليق بالدابة . 
وإن كان يركب على رحل له ، أو فوق زاملة ، أو في محمل ، أو في عمارية ، أو أراد في غير الإبل الركوب على سرج أو إكاف ، وجب ذكره . وينبغي أن يعرف المؤجر هذه الآلات . فإن شاهدها ، كفى ، وإلا ، فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع : لا يتفاحش فيه التفاوت ، كفى الإطلاق ، وحمل على معهودهم . وإن لم يكن معهودا مطردا ، اشترط ذكر وزن السرج والإكاف والزاملة ووصفها . هذا هو الصحيح المعروف . وقال الإمام : لم يتعرض أحد من الأصحاب لاشتراط ذكر الوزن في السرج والإكاف  ، لأنه لا يكثر فيهما التفاوت . وأما المحمل أو العمارية ، ففيهما أوجه . أصحها : أن المعتبر فيهما المشاهدة ، أو الوصف مع الوزن لإفادتهما التخمين . والثاني : يكفي الوزن . أو الصفة والثالث : لا بد من المشاهدة . والرابع : إن كانت محامل خفافا كالبغدادية ، كفى الوصف ، لتقاربها ، وإن كانت ثقالا كالخرسانية ، اشترطت المشاهدة ، وقال  البغوي     : تمتحن الزاملة باليد لتعرف خفتها وثقلها ، بخلاف الراكب لا يمتحن بعد المشاهدة . 
وينبغي أن يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة . 
فرع 
لا بد في المحمل ونحوه من الوطاء ، وهو الذي يفرش فيه ليجلس عليه  ، وينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف ، والغطاء الذي يستظل به ويتوقى من المطر ، قد يكون   [ ص: 202 ] وقد لا يكون ، فيحتاج إلى شرطه . وإذا شرطه ، قال   الشيخ أبو حامد  وابن الصباغ     : يكفي إطلاقه ، لتقارب تفاوته ، ويغطيه بجلد أو كساء أو لبد . 
وقال   ابن كج  والمتولي     : يشترط رؤيته أو وصفه ، وهو ظاهر النص كالوطاء . لكن إن كان فيه عرف مطرد ، كفى الإطلاق ، وقد يكون للمحمل ظرف من لبود ، أو أدم ، فهو كالغطاء . 
الثالثة : إذا استأجر للركوب ، وشرط حمل المعاليق وهي السفرة ، والإداوة ، والقدور ، والقمقمة  ، فإن أراها المؤجر ، أو وضعها له وذكر وزنها ، صح ، وإلا ، فلا تصح الإجارة على المذهب والمنصوص ، ومن صحح ، حمله على الوسط المعتاد . 
وإن لم يشرط المعاليق ، لم يستحق حملها على الأصح . وقيل : هو كشرطها مطلقا . وهذا المذكور في السفرة والإداوة الخاليتين ، فإن كان فيهما طعام وماء ، فسيأتي بيانهما في الباب الثاني إن شاء الله تعالى . 
الرابعة : إن كانت الإجارة على عين الدابة ، اشترط تعيينها  ، وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب . وإن كانت في الذمة ، اشترط ذكر جنسها ، أهي من الإبل ، أم الخيل ، أم الحمير والبغال ؟ ونوعها ، كالبخاتي والعراب . 
ويشترط بيان الذكورة والأنوثة  على الأصح ، لاختلاف الغرض بذلك ، فإن الأنثى أسهل سيرا ، والذكر أقوى . ويشترط أن يقول : مهملج أو بحر أو قطوف ، على الأصح ، لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير . 
الخامسة : إذا استأجر دابة للركوب ، فليبينا قدر السير كل يوم  ، فإذا بينا ، حملا على المشروط ، فإن زادا في يوم أو نقصا ، فلا جبران ، بل يسيران بعده على الشرط . ولو أراد أحدهما مجاوزة المشروط ، أو النزول دونه لخوف أو غصب ، لم يكن له ذلك ، إلا أن يوافقه صاحبه ، ذكره  البغوي     . وكان يجوز أن يجعل الخوف عذرا لمن يحتاط ، ويلزم الآخر موافقته . 
 [ ص: 203 ] قلت : هذا الذي قاله  البغوي  ، ضعيف ، وينبغي أن يقال : إن غلب على الظن حصول ضرر بسبب الخوف ، كان عذرا ، وإلا ، فلا . ولا يتجه غير هذا التفصيل . والله أعلم . 
فإن لم يبينا قدر السير ، وأطلقا العقد ، نظر ، إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة ، صح العقد وحمل عليها ، وإن لم يكن منازل ، أو كانت والعادة مختلفة ، لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان . هذا هو الصحيح المعروف الذي اشتملت عليه طرق الأصحاب . وقال  أبو إسحاق     : إذا اكترى إلى مكة  في زماننا ، اشترط ذكر المنازل ، لأن السير في هذه الأزمان شديد . وقال   القاضي أبو الطيب     : إن كان الطريق مخوفا ، لم يجز تقدير السير فيه ، لأنه لا يتعلق بالاختيار ، وتابعه  الروياني  على هذا . ومقتضاه ، امتناع التقدير بالزمان أيضا ، وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفا . 
فرع 
القول في وقت السير ، أهو الليل ، أم النهار ؟ وفي موضع النزول في المرحلة ، أهو نفس القرية ، أم الصحراء ؟ وفي الطريق الذي يسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرناه في قدر السير في أنه يحمل على المشروط أو المعهود . وقد يختلف المعهود في فصلي الشتاء والصيف ، وحالتي الأمن والخوف ، فكل عادة تراعى في وقتها ، ومتى شرطا خلاف المعهود ، فهو المتبع ، لا المعهود . 
 [ ص: 204 ] 
				
						
						
