فصل 
في السجود    . 
هو ركن وله أقل وأكمل . أما أقله ففيه مسائل : 
إحداها : يجب أن يضع على الأرض من الجبهة ، ما يقع عليه الاسم  ، وفي وجه : لا يكفي بعض الجبهة ، وهو شاذ منكر . 
ولا يجزئ عن الجبهة الجبينان ، وهما جانبا الجبهة ، والصحيح أنه لا يكفي في وضع الجبهة الإمساس ، بل يجب أن يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه ، حتى تستقر جبهته . 
 [ ص: 256 ] فلو سجد على قطن ، أو حشيش ، أو شيء محشو بهما  ، وجب أن يتحامل حتى ينكبس ، ويظهر أثره على يد لو فرضت تحت ذلك المحشو ، فإن لم يفعل ، لم يجزئه . 
وقال إمام الحرمين : عندي أنه يكفي إرخاء رأسه ولا يقله ، ولا حاجة إلى التحامل كيف فرض محل السجود . 
وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين على موضع السجود  ؟ قولان : 
أظهرهما : لا يجب . فإن أوجبناه ، كفى وضع جزء من كل واحد منها ، والاعتبار في اليد بباطن الكف ، وفي الرجلين ببطون الأصابع ، وإن قلنا : لا يجب ، اعتمد على ما شاء منهما ، ويرفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع . هذا هو الغالب ، أو المقطوع به . 
قلت : الأظهر : وجوب الوضع . قال الشيخ  أبو حامد  في تعليقه : إذا قلنا : لا يجب وضعها ، فلو أمكنه أن يسجد على الجبهة وحدها أجزأه ، وكذا قال صاحب ( العدة ) : لو لم يضع شيئا منها ، أجزأه . 
ومن صور رفعها كلها إذا رفع الركبتين والقدمين ، ووضع ظهر الكفين ، أو حرفهما فإنه في حكم رفعهما . والله أعلم . 
ولا يجب وضع الأنف على الأرض    . قلت : وحكى صاحب ( البيان ) قولا غريبا أنه يجب وضع الأنف مع الجبهة مكشوفا . والله أعلم . 
ويجب أن يكشف من الجبهة ما يقع عليه الاسم ، فيباشر به موضع السجود ، وإنما يحصل الكشف إذا لم يحل بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه ، فلو سجد على طرف عمامته ، أو ذيله المتحرك بحركته  ، لم يصح ، وإن لم يتحرك بحركته قياما وقعودا ، أجزأه . 
قلت : لو كان على جبهته جراحة فعصبها وسجد على العصابة أجزأه ،   [ ص: 257 ] ولا إعادة عليه على المذهب . لأنه إذا سقطت الإعادة مع الإيماء للعذر فهنا أولى . والله أعلم . 
وإذا أوجبنا وضع الركبتين والقدمين ، لم يجب كشفهما قطعا ، وإذا أوجبنا وضع الكفين ، لم يجب كشفهما أيضا على الأظهر . فإذا أوجبناه كفى كشف بعض من كل واحد منهما . 
المسألة الثانية : إذا وضع الجبهة وسائر الأعضاء على الأرض  ، فله ثلاث صور : 
إحداها : أن يكون أعاليه أعلى من أسافله ، بأن يضع رأسه على ارتفاع ، فيصير رأسه أعلى من حقوه فلا يجزئه ، لعدم اسم السجود كما لو أكب ومد رجليه . 
الثاني : أن تكون الأسافل أعلى من الأعالي ، فهذه هيئة التنكيس ، وهي المطلوبة ، ومهما كان المكان مستويا ، كان الحقو أعلى ، ولو كان موضع الرأس مرتفعا ، قليلا ، فقد ترتفع أسافله ، وتحصل هذه الهيئة أيضا . 
الثالثة : أن تتساوى أعاليه وأسافله ، لارتفاع موضع الجبهة ، وعدم رفعه الأسافل ، فالأصح : أنها لا تجزئ ، وإذا تعذرت الهيئة المطلوبة لمرض ، أو غيره ، فهل يلزمه وضع وسادة ونحوها ، ليضع الجبهة عليها ، أم يكفي إنهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شيء ؟ وجهان : 
أصحهما عند   الغزالي  الوجوب ، والأشبه بكلام الأكثرين الاكتفاء بإنهاء الرأس . 
ولو عجز عن وضع الجبهة على الأرض ، وقدر على وضعها ، على وسادة مع النكس ، لزمه ذلك بلا خلاف . 
ولو عجز عن الانحناء ، أشار بالرأس  ، ثم بالطرف ، على ما تقدم نظيره . 
المسألة الثالثة : تجب الطمأنينة في السجود  ، ويجب أن لا يقصد بهويه غير السجود ، فلو سقط إلى الأرض من الاعتدال قبل قصد الهوي ، لم يحسب ، بل   [ ص: 258 ] يعود إلى الاعتدال ويسجد منه ، ولو هوى ليسجد ، فسقط على الأرض بجبهته ، نظر ، إن وضع جبهته على الأرض بنية الاعتماد ، لم يحسب عن السجود ، وإن لم تحدث هذه النية حسب ، ولو هوى ليسجد ، فسقط على جنبه ، فانقلب وأتى بصورة السجود فإن قصد السجود اعتد به ، وإن قصد الاستقامة لم يعتد به . 
قلت : إذا قصد الاستقامة له حالان : أحدهما أن يقصدها قاصدا صرف ذلك عن السجود فلا يجزئه قطعا وتبطل صلاته ؛ لأنه زاد فعلا لا يزاد مثله في الصلاة عامدا . قاله إمام الحرمين وغيره . 
والثاني : أن يقصد الاستقامة ، ولا يقصد صرفه عن السجود ، بل يغفل عنه ، فلا يجزئه أيضا على الصحيح المنصوص ، ولكن لا تبطل صلاته ، بل يكفيه أن يعتدل جالسا ثم يسجد . 
ولا يلزمه أن يقوم ليسجد من قيام على الظاهر ، فلو قام كان زائدا قياما متعمدا فتبطل صلاته . هذا بيان الحالتين . 
ولو لم يقصد السجود ولا الاستقامة ، أجزأه ذلك عن السجود قطعا ، والعجب من الإمام الرافعي في كونه ترك استيفاء هذه الزيادة التي ألحقتها . والله أعلم . 
فرع   : 
وأما أكمل السجود فالسنة أن يكون أول ما يقع على الأرض من الساجد ركبتيه ثم يديه ثم أنفه وجبهته  ، ويبتدئ التكبير مع ابتداء الهوي ، وهل يمده أو يحذفه ؟ فيه القولان المتقدمان . 
ولا يرفع اليد مع التكبير هنا ، ويستحب أن يقول في سجوده : ( سبحان ربي الأعلى )  ثلاثا وهذا أدنى الكمال . 
والأفضل أن يقول بعده : ( اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ،   [ ص: 259 ] سجد وجهي للذي خلقه وصوره ، وشق سمعه وبصره ، بحوله وقوته ، تبارك الله أحسن الخالقين ) والإمام يقتصر على التسبيح ، إلا أن يرضوا . 
ويستحب للمفرد ، أن يجتهد في الدعاء في سجوده ، وأن يضع كل ساجد الأنف مع الجبهة مكشوفا ، وأن يفرق بين ركبتيه  ، ويرفع الرجل مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه ، والمرأة تضم بعضها إلى بعض ، وأن يضع الساجد يديه على الأرض بإزاء منكبيه ، وأصابعه ملتصق بعضها إلى بعض مستطيلة إلى جهة القبلة ، وسنة أصابع اليدين ، إذا كانت منشورة في جميع الصلاة التفريج المقتصد ، إلا في حالة السجود فإنه يلصقها . 
قلت وإلا في التشهد ، فإن الصحيح أن أصابع اليسرى ، تكون كهيئاتها في السجود ، وكذا أصابعهما في الجلوس بين السجدتين . والله أعلم . 
ويرفع الساجد ذراعيه عن الأرض ، ولا يفترشهما ، وينصب القدمين ، ويوجه أصابعهما إلى القبلة ، وإنما يحصل توجيهها ، بالتحامل عليها ، والاعتماد على بطونها ، وقال في ( النهاية ) الذي صححه الأئمة : أن يضع أطراف الأصابع على الأرض من غير تحامل ، والأول أصح . 
قلت : قال أصحابنا : ويستحب أن يفرق بين القدمين . قال   القاضي أبو الطيب     : قال أصحابنا : يكون بينهما شبر ، ويستحب أن يقول في سجوده : ( سبوح ، قدوس رب الملائكة والروح )  وأن يبرز قدميه من ذيله في السجود ويكشفهما إذا لم يكن عليهما خف . 
ويكره أن يجمع في سجود ، أو غيره من أحوال الصلاة ، شعره أو ثيابه لغير حاجة . والله أعلم . 
 [ ص: 260 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					