الرابعة : أوصى بأمته الحامل من زوجها لزوجها  ، ولابن لها حر ، ومات ، وخرجت كلها من الثلث ، وقبلا الوصية وهما موسران ، نظر إن قبلا معا ، عتقت الأمة كلها على ابنها ، نصفها بالملك ، والباقي بالسراية ، وعليه للزوج نصف قيمتها ، ويعتق الحمل عليهما بالسوية . 
أما نصيب الزوج ، فلأنه ولده . 
وأما نصيب الابن ، فلأن الأم عتقت عليه . 
والعتق يسري من الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها . 
ولا يقوم نصيب واحد منهما على الآخر ; لأن العتق عليهما حصل دفعة واحدة ، فأشبه ما إذا اشترى ابنان أباهما ، فإنه يعتق عليهما ولا تقويم ، وإن قبل أحدهما قبل الآخر ، فإن قلنا : يحصل الملك بالموت ، أو قلنا : بالوقف ، فالجواب كذلك ; لأن وقت الملك واحد وإن اختلف وقت القبول . 
وإن قلنا : يحصل بالقبول ، فإن تقدم قبول الابن ، عتقت الأمة والحمل عليه . 
أما الأم ، فبالملك والسراية ، وأما الحمل فبسراية عتق الأم إليه ، وعليه للزوج نصف قيمتها . 
وإن تقدم قبول الزوج ، عتق جميع الحمل عليه ، النصف بالملك ، والباقي بالسراية ، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن ، ولا يعتق عليه من الأمة شيء . 
فإذا قبل الابن عتق عليه جميعها بالملك والسراية ، وغرم للزوج نصف قيمتها . 
قلت : ويجيء وجه : أن الأمة تعتق على الزوج تفريعا على قول الأستاذ  أبي إسحاق     : إن عتق الجنين يسري إلى عتق الأم . 
والله أعلم . 
 [ ص: 146 ] وأما إذا قبل الزوج وحده ، فيعتق عليه الحمل ، نصفه بالملك ، ونصفه بالسراية ، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي ، ولا يسري العتق من الحمل إلى الأم ; لأن الحمل تبع لها ، وليست تبعا له . 
قلت : وفيه وجه أبي إسحاق . 
والله أعلم . 
وإن قبل الابن وحده ، عتقا عليه [ جميعا ] ، وغرم نصف قيمتها لورثة الموصي . 
قلت : قد كرر الإمام  الرافعي  نصف القيمة في هذه المسألة كما قاله غيره . 
والقياس : أنه يجب قيمة النصف ، وهي أقل ; لأنه إنما أتلف نصفا . 
والله أعلم . 
الخامسة : أوصى لإنسان بمن يعتق عليه ، [ كأبيه وابنه ]  ، لم يجب عليه قبول الوصية ، كما لا يجب شراؤه [ إذا قدر عليه ] ، بل له الرد على الصحيح . 
وقيل : يمنع الرد إن قلنا : يملك بالموت ; لأنه يعتق عليه ، وبه قطع  المتولي  تفريعا على هذا القول والجمهور على خلافه ، وأنه لا يعتق عليه قبل قبوله . 
ثم إن رد فذاك ، وإن قبل وقلنا : يملك بالقبول ، عتق عليه حينئذ . 
وإن قلنا : بالموت ، أو موقوف ، تبين أنه عتق عليه يوم الموت . 
ولو ملك ابن أخيه ، وأوصى به لأجنبي ، ووارثه أخوه ، فقبل الموصى له الوصية ، فهو للأجنبي إن قلنا : يملك بالموت أو موقوف . 
وإن قلنا : يملك بالقبول ، وأنه قبل القبول للوارث ، فمقتضاه العتق على الوارث يوم الموت ، لكن المنقول عن الأصحاب أنه لا يعتق عليه كي لا تبطل الوصية . 
ولو أوصى لشخص بابنه ، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول  ، فأوجه . 
أحدها : أن الرد يمنع ، لعتقه عليه بالموت إذا قلنا : يملك به . 
والثاني : ليس للوارث قبوله ، لما فيه من العتق على الميت بغير إذنه وإثبات   [ ص: 147 ] الولاء له . 
هذا إذا قلنا : إن العتق إذا حصل وقع على الميت ، وسنذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى . 
وهذان الوجهان ضعيفان جدا . 
والثالث وهو الصحيح : أن الوارث يقوم مقامه في الرد والقبول ؛ لنيابته عنه في حقوقه . 
فإن قبل ، فهو كقبول الموصى له بنفسه إن قلنا : يملك بالموت ، أو موقوف . 
وإن قلنا : يملك بالقبول ، نظر . 
فإن لم يكن بين الموصى به ، ووارث الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه ، بأن كان الوارث أخا الموصى له ، فهل نحكم بعتقه ؟ وجهان . 
أحدهما : لا ، وبه قطع  ابن الصباغ  وآخرون . 
وأصحهما : نعم ; لأن الموصي إنما أوجب الملك للموصى له فلا يثبت لغيره ، وإنما اعتبرنا قبول وارثه نيابة ، وهذا كما لو نصب شبكة في حياته وتعلق بها صيد بعد موته ، فإنا نحكم بثبوت الملك له . 
وإن كان بين الموصى به ووارث الموصى له قرابة تقتضي العتق ، بأن كان الوارث أبا الموصى له ، حكم بعتق الموصى به قطعا . 
ويعود الوجهان ، في أنه يعتق على الموصى له ، أم على وارثه ؟ وأن الولاء لمن يثبت ؟ فإن قلنا : عن الموصى له ، قال الإمام : يسند العتق إلى ألطف زمان قبل موت الموصى له . 
وإذا لم نحكم بالعتق فيما إذا لم يكن بينهما قرابة ، فهل تقضى منه ديون الموصى له ؟ وجهان . 
أصحهما : نعم كديته فإنه تقضى منها ديونه وإن قلنا : إنها تثبت للورثة ابتداء . 
هذا حكم العتق . 
وهل يرث الذي عتق من الموصي ؟ أما إذا قبل بنفسه ، فينظر ، إن قبل في صحته ، فنعم . 
وإن قبل في مرض موته ، فإرثه مبني على أن عتقه إذا حصل الملك فيه لا بعوض ، بل بإرث ، أو هبة ، أو قبول وصية ، هل يعتبر من الثلث ، أم من رأس المال ؟ وفيه وجهان مذكوران في كتاب العتق . 
إن قلنا : من الثلث ، لم يرثه ، وإلا ، ورث ، وهو الأصح . 
وإن مات قبل القبول ، وقبل وارثه ، فإن حكمنا بالحرية عند القبول ،   [ ص: 148 ] لم يرث ، لرقه . 
وإن حكمنا بها عند الموت ، فإن كان القابل ممن يحجبه الموصى به كالأخ ، لم يرث ; لأنه لو ورث لحجب الأخ وأخرجه عن كونه وارثا ، ولبطل قبوله . 
وإن كان لا يحجبه ، كابن الأخ ، فالصحيح : أنه لا يرث أيضا ، للدور في نصفه . 
وقيل : يرث . 
وقال  الداركي     : إن ثبت القبول للموصى له وهو مريض ، لم يرث ; لأن قبول ورثته كقبوله ، ولو قبل لكان وصية ، والإرث لا يجامعها . 
فرع   : أوصى له بمن يعتق عليه ، فمات الموصى له عن ابنين  ، فالقول في قبولهما تفريعا على الأقوال في وقت الملك كما سبق . 
والمذهب صحته ووقوع العتق عن الميت . 
وإن قبل أحدهما فقط ، صح القبول في النصف ، وعتق على الميت . 
ثم قال  ابن الحداد  وآخرون : ينظر ، إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي قيمة الموصى به ، قوم عليه الباقي فيما ورثه ، وإلا فلا يقوم عليه ، ولا اعتبار بيسار القابل في نفس ، ولا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة . 
أما عدم اعتبار يساره ، فلأن العتق وقع عن الميت ، فلا يكون التقويم على غيره . 
وأما عدم ثبوته في نصيب الذي لم يقبل ، فلأن سبب العتق القبول ، فالذي لم يقبل لم ينسب إليه . 
ولك أن تقول : وإن لم ينسب إليه ، فهو معترف بعتق نصيب القابل واقتضائه التقويم ، فالتقويم كدين يلحق التركة . 
وقال الشيخ  أبو علي     : يجب أن لا يقوم على الميت ، ويقصر العتق على القدر المقبول لمعنيين . 
أحدهما : أن الملك حصل للميت بغير اختياره ، بل بقبول الوارث ، فأشبه ما إذا ورث شقصا من عبد فعتق عليه ، لا يقوم الباقي . 
والثاني : أن العتق يحصل بعد موته ، ولا مال له حينئذ ، فأشبه ما إذا أعتق شقصا بعد الموت ، لا يقوم الباقي . 
قال : ورأيت   [ ص: 149 ] هذا لبعض الأصحاب ، وللأولين أن يقولوا : إنما حكمنا بالعتق على الميت لجعلنا الوارث نائبا عنه ، فكيف ينتفي اختياره مع النيابة ؟ لكنهما حكميان . 
وأما الثاني : فلا يسلم أن العتق يحصل بعد الموت ، بل يستند إلى قبيل الموت كما سبق . 
ثم ولاء ما عتق منه للميت . 
وهل يشترك فيه الابنان ، أم ينفرد به القابل ؟ وجهان . 
ولو أوصى لإنسان ببعض من يعتق عليه ، ومات الموصى له ، وقبل وارثه ، فالقول في عتقه على الميت وتقويم الباقي عليه على ما ذكرناه في هذه المسألة . 
				
						
						
