المانع الخامس : الإحرام    . فإحرام أحد العاقدين أو المرأة يمنع انعقاد النكاح . وقيل : إن كان العاقد الإمام أو القاضي ، فله التزويج ، لقوة ولايتهما . والصحيح المنع . 
وفي تأثير الإحرام وجهان . أحدهما : سلب الولاية ونقلها إلى الأبعد ، كالجنون . وأصحهما : أنه مجرد الامتناع دون زوال الولاية ، لبقاء الرشد والنظر ، فعلى هذا ، يزوجها السلطان كما لو غاب . وسواء الإحرام بالحج أو العمرة  ، والصحيح والفاسد ، ( وقيل : لا يمنع الفاسد ) ، وينعقد بشهادة المحرم على الصحيح ، وخالف  الاصطخري     . وتصح الرجعة في الإحرام على الأصح . 
ومن فاته الحج ، هل يصح نكاحه قبل التحلل بعمل عمرة  ؟ فيه وجهان حكاهما  الحناطي     . 
قلت : الصحيح المنع ، لأنه محرم . - والله أعلم - . 
 [ ص: 68 ] فرع 
إذا وكل حلال حلالا في التزويج ، ثم أحرم أحدهما ، أو المرأة  ، ففي انعزال الوكيل وجهان . أصحهما : لا ينعزل ، فيزوج بعد التحلل بالوكالة السابقة ، وليس للوكيل الحلال أن يزوج قبل تحلل الموكل . هذا هو المعروف في المذهب ، ونقل   الغزالي  في الوجيز فيه وجها ، ولم أره لغيره ولا له في الوسيط . ولو وكله في حال إحرام الوكيل أو الموكل أو المرأة ، نظر ، إن وكله ليعقد في الإحرام ، لم يصح . وإن قال : لتزوج بعد التحلل ، أو أطلق ، صح ، لأن الإحرام يمنع الانعقاد دون الإذن . ومن ألحق الإحرام بالجنون ، لم يصححه . 
ولو قال : إذا حصل التحلل فقد وكلتك  ، فهذا تعليق للوكالة ، وقد سبق الخلاف فيه . وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل . ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج  ، صح على الأصح ، لأنه سفير محض ليس إليه من العقد شيء . 
واعلم أن وكيل المصلي يزوج ، بخلاف وكيل المحرم ، لأن عبارة المحرم غير صحيحة ، وعبارة المصلي صحيحة . حتى لو زوجها في صلاته ناسيا ، صح النكاح والصلاة . 
فصل 
إذا لم يكن الولي الأقرب حاضرا ، نظر ، إن كان مفقودا لا يعرف مكانه ولا موته وحياته ، زوجها السلطان ، لتعذر نكاحها من جهته . وإن انتهى الأمر إلى غاية يحكم القاضي فيها بموته وقسم ماله بين ورثته - على ما سبق في الفرائض - انتقلت   [ ص: 69 ] الولاية إلى الأبعد . وإن عرف مكان الغائب ، فإن كان على مسافة القصر ، زوجها السلطان ، ولا يزوجها الأبعد . وقيل : يزوج الأبعد . وعن القاضي  أبي حامد     : إن كان من الملوك وكبار الناس ، اشترط مراجعته ، وإن كان من التجار وأوساط الناس ، فلا . والصحيح الأول . وإن كان دون مسافة القصر ، فأوجه . أحدها : كالطويلة ، وهو ظاهر نصه في " المختصر " . وأصحها : لا تزوج حتى يراجع فيحضر أو يوكل ، نص عليه في " الإملاء " . 
والثالث : إن كان بحيث يتمكن المبتكر إليه من الرجوع إلى منزله قبل الليل ، اشترطت مراجعته ، وإلا ، فلا . 
فرع 
عن   الشافعي     - رضي الله عنه - : أن السلطان لا يزوج من تدعي غيبة وليها حتى يشهد شاهدان  أنه ليس لها ولي حاضر ، وأنها خلية عن النكاح والعدة . فقيل : هذا واجب . وقيل : مستحب . 
قلت : الأصح أنه مستحب ، وبه قطع  إبراهيم المروذي  ، ذكره في آخر " كتاب الطلاق " . - والله أعلم - . 
فعلى هذا ، لو ألحت في المطالبة ، ورأى السلطان التأخير ، فهل له ذلك ؟ وجهان ، ولا يقبل في هذا إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها . وإن كان الولي الغائب ممن لا يزوج إلا بإذن ، فقالت : ما أذنت له ، فللقاضي تحليفها على نفي الإذن . 
 [ ص: 70 ] قلت : قال   الغزالي     : وللقاضي تحليفها أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى ذلك . ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى ، هل هي مستحبة ، أم واجبة ؟ وجهان . - والله أعلم - . 
فرع 
إذا غاب الولي الأقرب الغيبة المعتبرة ، فالأولى للقاضي أن يأذن للأبعد أن يزوج ، أو يستأذنه ليزوج القاضي . 
فرع 
في " فتاوى "  البغوي     : أن القاضي إذا زوج من غاب وليها ، ثم قدم وليها بعد العقد  ، بحيث يعلم أنه كان قريبا من البلد عند العقد ، لم يصح النكاح . 
				
						
						
