فصل 
في بيان حكم صوم الكفارة المرتبة 
فيه مسائل 
إحداها : يجب أن ينوي صوم الكفارة في الليل لكل يوم  ، ولا يجب تعيين جهة الكفارة ، ولا يجب نية التتابع على الأصح ، وقيل : تجب في أول ليلة فقط ، ولو نوى الصوم بالليل قبل طلب الرقبة ، ثم طلب فلم يجدها  ، لم يجزئه صومه إلا أن يجدد النية في الليل بعد الفقد ، لأن تلك النية تقدمت على وقت جواز الصوم ، ذكره  الروياني  في " التجربة " . 
المسألة الثانية : لو مات وعليه صوم كفارة ، فهل يصوم عنه وليه ؟  فيه قولان ، سبقا في كتاب الصيام . 
الثالثة : إن ابتدأ بالصوم لأول شهر هلالي  ، صام شهرين بالأهلة ، ولا يضر نقصهما ، وإن ابتدأ في خلال شهر ، صام بقيته ، ثم صام الذي يليه بالهلال ، ولا يضر نقصه ، ثم يتم الأول من الثالث ثلاثين يوما ، وفي وجه شاذ ، إذا ابتدأ في خلال شهر ، لزمه ستون يوما .   [ ص: 302 ] الرابعة : التتابع في الصوم  واجب بنص القرآن ، فلو وطئ المظاهر بالليل قبل تمام الشهرين  ، عصى بتقديم التكفير ، ولكن لا يقطع التتابع . 
ولو أفسد صوم اليوم الآخر أو غيره ، لزمه استئناف الشهرين . وهل يحكم بفساد ما مضى ، أم ينقلب نفلا ؟ فيه قولان فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال ونظائره . والحيض لا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والوقاع في رمضان  إن لزمتها كفارة ، فتبني إذا طهرت ، والنفاس لا يقطع التتابع  على الصحيح ، كالحيض . وقيل : يقطعه لندرته ، حكاه  أبو الفرج السرخسي     . والفطر بعذر المرض يقطع التتابع  على الأظهر ، وهو الجديد ، لأنه لا ينافي الصوم ، وإنما قطعه بفعله ، بخلاف الحيض ، والجنون كالحيض على المذهب . وقيل : كالمرض ، والإغماء كالجنون . وقيل : كالمرض . وأما الفطر بالسفر ، وفطر الحامل والمرضع خوفا على الولد  ، فقيل : كالمرض . وقيل : يقطع قطعا ، لأنه باختياره . 
قلت : أطلق الجمهور أن الحيض لا يقطع التتابع ، وذكر  المتولي  ، أنها لو كانت لها عادة في الطهر تمتد شهرين ، فشرعت في الصوم في وقت يتخلله الحيض ، انقطع ، ولو أفطرت الحامل والمرضع خوفا في نفسيهما ، فقال  المحاملي  في المجموع ، وصاحبا " الحاوي " و " الشامل " والأكثرون : هو كالمرض . 
وفي تجريد  المحاملي     : أنه لا ينقطع قطعا ، ولو غلبه الجوع فأفطر  ، بطل التتابع . وقيل : كالمرض ، ذكره  البغوي     . - والله أعلم . 
فرع 
نسيان النية في بعض الليالي ، يقطع التتابع  كتركها عمدا ، ولا يجعل النسيان عذرا في ترك المأمور به . 
قلت : لو صام أياما من الشهرين ، ثم شك بعد فراغه من صوم يوم ، هل نوى   [ ص: 303 ] فيه ، أم لا ؟ لم يلزمه الاستئناف على الصحيح ، ولا أثر للشك بعد الفراغ من اليوم ، ذكره  الروياني  في كتاب الحيض في مسائل المتحيرة . - والله أعلم . 
ولو أكره على الأكل فأكل  ، وقلنا : يبطل صومه ، انقطع تتابعه ، لأنه سبب نادر ، هذا هو المذهب في الصورتين ، وبه قطع الجمهور ، وجعلهما   ابن كج  كالمرض ، قال : ولو استنشق ، فوصل الماء إلى دماغه  ، وقلنا : يفطر ، ففي انقطاع التتابع الخلاف . 
قلت : لو أوجر الطعام مكرها ، لم يفطر ، ولم ينقطع تتابعه ، هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق ، وشذ  المحاملي  فحكى في التجريد وجها أنه يفطر وينقطع تتابعه ، وهذا غلط . - والله أعلم . 
فرع 
لو ابتدأ بالصوم في وقت يدخل عليه رمضان قبل تمام الشهرين ، أو يدخل يوم النحر  ، لم يجزئه عن الكفارة . قال الإمام : ويعود القولان في أنه يبطل أم يقع نفلا . 
فرع 
لو صام رمضان بنية الكفارة  ، لم يجزئه عن واحد منهما ، ولو نواهما ، لم يجزئه عن واحد منهما أيضا . وحكى القاضي  أبو الطيب  عن   أبي عبيد بن حربويه  ، أنه يجزئه عنهما جميعا ، وغلطه فيه . وفي كتاب   ابن كج  ، أن الأسير إذا صام عن الكفارة بالاجتهاد ، فغلط فجاء رمضان أو يوم النحر قبل تمام الشهرين  ، ففي انقطاع التتابع الخلاف في انقطاعه بإفطار المريض . 
فرع 
إذا أوجبنا التتابع في كفارة اليمين ، فحاضت في خلال الأيام الثلاثة  ، فقيل :   [ ص: 304 ] فيه قولان ، كالفطر بالمرض في الشهرين ، ويشبه أن يكون فيه طريق جازم ، بانقطاع التتابع . 
قلت : صرح بالطريقة الجازمة ،  الدارمي  وصاحب " التتمة " فقالا : المذهب انقطاعه ، ذكره  الدارمي  في كتاب الصيام ، وفيه طريق ثالث ، أنه لا ينقطع قطعا ، لأن وجوب التتابع في كفارة اليمين هو القول القديم ، والمرض لا يقطع على القديم ، ذكر ذلك صاحبا الإبانة والعدة وغيرهما . قال صاحب " التتمة " : هذا غلط ، لأنه يمكنها الاحتراز بالثلاثة عن الحيض دون المرض . - والله أعلم . 
المسألة الخامسة : لو شرع في صوم الشهرين ، ثم أراد أن يقطع ويستأنف بعد ذلك  ، فقد ذكروا في جوازه احتمالين . أحدهما : يجوز كما يجوز تأخير الابتداء ، لأنه ليس فيه إبطال عبادة ، فكل يوم عبادة مستقلة . 
والثاني : لا يجوز ، لأنه يبطل صفة الفرضية ، ويجري الاحتمالان في الحائض وغيرها ، فيمن شرع في الشهرين ، ثم عرض فطر لا يقطع التتابع ، ثم زال فأراد الفطر بلا عذر ، ثم يستأنف ، ثم الاحتمال الأول أرجح عند   الغزالي     . وقال  الروياني     : الذي يقتضيه قياس المذهب ، أنه لا يجوز ، لأن الشهرين عبادة واحدة ، كصوم يوم ، فيكون قطعه كقطع فريضة شرع فيها ، وذلك لا يجوز ، وهذا حسن . قال الإمام : والمسألة فيما إذا لم ينو صوم الغد ، وقال : الإفطار في اليوم الذي شرع فيه لبعد التسليط عليه وبالله التوفيق . 
				
						
						
