الباب الثالث في ثمرة اللعان ، وشروطه ، وصفته ، وأحكامه 
فيه أطراف . 
الأول : في ثمرات اللعان ، وهي نفي النسب وقطع النكاح ، وتحريمها مؤبدا ، ودفع المحذور الذي يلحقه بالقذف ، وإثبات حد الزنا عليها    . 
قلت : ومن الثمرات : سقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج إن سماه في   [ ص: 332 ] لعانه  ، وكذا إن لم يسمه على خلاف فيه . ومنها : سقوط حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن هي  كما سيأتي إن شاء الله تعالى . 
ومنها : تشطير الصداق قبل الدخول    . ومنها : استباحة نكاح أختها وأربع سواها في عدتها . والله أعلم . 
ولا يشترط لجواز اللعان ، تعلق جميع ثمراته به ، بل منها ما يستقل بإفادة حق جوازه ، ومنها خلافه ، فنفي النسب ، هو المقصود الأصلي ، فيجوز اللعان له وحده . وإن كان لا ينقطع به نكاح ، ولا يسقط به عقوبة ، بأن كان أبانها ، أو عفت عن العقوبة ، أو أقام بينة بزناها . 
وأما دفع عقوبة القذف ، فيجوز اللعان لمجرد دفع الحد ، وإن لم يكن نكاح ولا نسب ، فإن كان الواجب التعزير ، فالتعزير المشروع عند القذف  نوعان : تعزير تكذيب ، وهو المشروع في حق القاذف الكاذب ظاهرا ، بأن قذف زوجته الذمية أو الرقيقة ، أو الصغيرة التي يوطأ مثلها  ، وتعزير تأديب ، وهو أن يكون كذبه معلوما ، أو صدقه ظاهرا ، فيعزر لا تكذيبا له ، بل تأديبا لئلا يعود إلى السب والإيذاء ، بأن قذف زوجته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ، أو قذف الكبيرة بزنا ثبت بالبينة ، أو بإقرارها ، فلا يحد لسقوط حصانتها ، ويعزر تأديبا للإيذاء بتحديد ذكر الفاحشة . 
فأما النوع الأول ، فيستوفى بطلبها ، وله إسقاطه باللعان على الصحيح . 
وأما النوع الثاني ، فلا يلاعن لدفع تعزير التي لا يوطأ مثلها وإن كبرت وطالبت ، لأنه لا يعزر للقذف . فإنه أتى بمحال لا يلحقها به عار ، وإنما يعزر منعا له من الإيذاء ، والخوض في الباطل . وفيه وجه سيعود إن شاء الله تعالى . وإن قذف الكبيرة بزنا ثبت ببينة أو إقرارها ، قال   الشافعي  رضي الله عنه في   [ ص: 333 ] رواية  المزني     : عزر إن طلبت ذلك ، ولم يلتعن ، وفي رواية  الربيع     : يعزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن . وللأصحاب طرق ، أشهرها قولان . أظهرهما : لا يلاعن ، والطريق الثاني وهو الأصح ، وبه قال  أبو إسحاق  والقاضي  أبو حامد     : لا يلاعن قطعا ، ورد رواية  الربيع     . والثالث : يلاعن قطعا ، وتأول رواية  المزني     . والرابع : إن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية وأثبته ببينة ثم قذفها به  ، لم يلاعن ، وإن قذفها بزنا في الزوجية ، وأثبته ببينة ، ثم قذفها به  ، لاعن ، وحمل النصين عليهما ، ثم ظاهر نصه في الروايتين أنه لا يعزر إلا بطلبها . وحكى الإمام وجها : أنه يعزره السلطان سياسة وإن لم تطلب ، كما يعزر من يقول : الناس زناة ، والصحيح الأول . قال الإمام : وليس هذا موضع الخلاف ، إنما موضعه ما إذا أضاف الزنا إلى حالة لا تحتمل الوطء ، بأن قال : زنيت وأنت بنت شهر ، لأن المحال لا يتأدى منه . 
قلت : وفي المسألة طريق خامس اختاره صاحب " الحاوي " ، وحكاه  الشاشي     : إن كان ثم ولد ، لاعن ، وإلا فلا ، وحمل النصين عليهما . والله أعلم . 
فرع 
قد سبق أن حد القذف يستوفى بطلب المقذوف  ، وفي التعزير هذا التفصيل السابق قبل الفرع ، ثم ما كان من حد أو تعزير معلقا بطلب شخص ، سقط بعفوه إذا كان أهلا للعفو . فلو قذف زوجته ، فعفت عن الحد ولا ولد  ، فليس له اللعان على الصحيح ، لعدم الضرورة ، ويجري الخلاف فيما لو ثبت زناها ببينة ، أو صدقته ولا ولد ، فلو سكت فلم تطلب الحد ولم تعف ، فليس له اللعان على الأصح عند الجمهور لما ذكرنا . ولو قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة  ، فقيل : له اللعان في الحال ليسقط التعزير ، والأصح انتظار بلوغها وعقلها وطلبها التعزير . ولو قذفها عاقلة فجنت ، أو في جنونها بزنا أضافه إلى حالة   [ ص: 334 ] الإفاقة  ، فعليه الحد . وهل له اللعان في الحال ، أم ينتظر الإفاقة ؟ فيه الوجهان . وفي كل هذه الصور لو كان هناك ولد ، وأراد نفيه باللعان ، كان له ذلك قطعا . 
قلت : وكل موضع لاعن لنفي النسب أو غيره وهي مجنونة ، فقد حقق زناها ولزمها الحد ، لكن لا تحد في جنونها ، فإذا أفاقت حدت إن لم تلاعن ، ذكره  المحاملي  في " المجموع " . والله أعلم . 
فرع 
زنى بك ممسوح ، أو صبي ابن شهر ، أو قال لرتقاء أو قرناء : زنيت  ، فلا حد ويعزر للإيذاء ، ولا يلاعن على الصحيح ، وكذا لو قال لممسوح : زنيت ، أو لبالغ : زنيت وأنت رضيع في المهد  ، فلا حد ويعزر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					