[ ص: 239 ] باب 
العفو عن القصاص    . 
هو مستحب ، فإن عفا بعض المستحقين ، سقط القصاص وإن كره الباقون ، ولو عفا عن عضو من الجاني ، سقط القصاص كله ، ولو أقت العفو ، تأبد ، ويشتمل الباب على طرفين : 
أحدهما : في حكم العفو  ، وهو مبني على أن موجب العمد في النفس والطرف ماذا ؟ وفيه قولان . 
أظهرهما عند الأكثرين : أنه القود المحض ، وإنما الدية بدل منه عند سقوطه . 
والثاني : أنه القصاص أو الدية ، أحدهما لا بعينه ، وعلى القولين للولي أن يعفو على الدية بغير رضى الجاني  ، ولو مات أو سقط الطرف المستحق ، وجبت الدية ، وحكي قول قديم أنه لا يعدل إلى المال إلا برضى الجاني ، وأنه لو مات الجاني ، سقطت الدية وليس بشيء . 
فإذا قلنا : الواجب أحدهما لا بعينه ، فعفا عن القصاص والدية جميعا ، فلا مطالبة بواحد منهما ، ولو قال : عفوت عما وجب لي بهذه الجناية ، أو عن حقي الثابت عليك وما أشبهه ، فلا مطالبة أيضا بشيء ، نقله   ابن كج  عن النص . 
ولو قال : عفوت على أن لا مال لي ، فوجهان . 
أحدهما : أنه كعفوه عنهما . 
والثاني : لا تسقط المطالبة بالمال ، لأنه لم يسقطه ، وإنما شرط انتفاءه ، وإلى هذا مال الصيدلاني ، ولو عفا عن القصاص ، تعينت الدية ، ولو عفا عن الدية ، فله أن يقتص ، فلو مات الجاني بعد ذلك ، فله الدية لفوات القصاص بغير اختياره . 
ونقل   ابن كج  قولا أنه لا مال له ، والمشهور الأول ، وهل له أن يعفو بعد هذا عن القصاص ويرجع إلى الدية ؟ فيه ثلاثة أوجه . 
أصحهما وهو محكي عن النص : لا ، فعلى هذا لو عفا مطلقا ، لم يجب شيء ، والثاني : نعم ، وحاصل هذا الوجه أن   [ ص: 240 ] العفو عن الدية لغو ، والولي على خيرته كما كان . 
والثالث : إن عفا على الدية  ، وجبت ، وإن عفا مطلقا ، فلا ، فإن قلنا : لا رجوع إلى الدية استقلالا ، فلو تراضيا بمال من جنس الدية أو غيره بقدرها ، أو أقل ، أو أكثر ، فوجهان . 
أحدهما : لا يجوز كما لا تجوز المصالحة عن حد القذف على عوض ، والصحيح الجواز ، لأن الدم متقوم شرعا ، كالبضع بخلاف العرض ، ولو جرى الصلح مع أجنبي ، جاز أيضا على الأصح ، كاختلاع الأجنبي وأولى ، لأن حقن الدم مرغب فيه ، ولو عفا ، أو صالح عن القصاص على مال قبل أن يعفو عن الدية . 
فإن كان المصالح عليه من غير جنس الدية ، جاز ، سواء كانت قيمته بقدر الدية ، أم أقل ، أو أكثر ، وإن كان من جنسه ، فسيأتي إن شاء الله تعالى ، ويجري الخلاف فيما لو ثبت القصاص بلا دية ، وصورته ما إذا قطع يديه ، فسرى إلى النفس ، فقطعت يد الجاني قصاصا ، أو قطعت يداه قصاصا ، ثم سرت الجناية إلى نفس المجني عليه ، فإنه يجوز حز رقبته ، ولا يجوز العفو على الدية كما سبق . 
ولو قال : عفوت عنك ولم يذكر القصاص ولا الدية  ، أو قال : عفوت عن أحدهما ، ولم يعين ، فوجهان . 
أحدهما : يحمل على القصاص ويحكم بسقوطه ، وأصحهما : يقال له : اصرف الآن إلى ما شئت منهما ، ولو قال : اخترت الدية ، سقط القصاص ووجبت الدية ، ويكون كقوله : عفوت عن القصاص ، هذا هو الصحيح ، وبه قطع الجمهور . 
وعن  القفال  أن اختياره أحدهما لا يسقط حقه من الثاني ، بل يبقى خياره كما كان ، ولو قال : اخترت القصاص ، فقياس  القفال  ظاهر ، وأما على الصحيح ، فهل له الرجوع إلى الدية لأنها أخف ، أم لا كعكسه ؟ وجهان . 
أصحهما : الثاني ، قاله  البغوي  ،   [ ص: 241 ] هذا كله تفريع على قولنا : الواجب أحدهما ، أما إذا قلنا : الواجب القصاص بعينه ، فلو عفا عنه على الدية ، وجبت ، وإن عفا عنه على مال آخر ، فإن كان من جنس الدية ، فسيأتي إن شاء الله تعالى . 
وإن عفا ، أو صالح على غير جنسها ، وقبل الجاني ، ثبت المال ، وسقط القود ، وإن لم يقبل الجاني ، لم يثبت المال قطعا ، ولم يسقط القصاص على الأصح . 
فإن قلنا : يسقط القصاص ، فهل تثبت الدية ؟  قال  البغوي     : هو كما لو عفا مطلقا ، ولو عفا عن القود على نصف الدية  ، قال  القاضي حسين     : هذه معضلة أسهرت الجلة ، قال غيره : هو كعفوه عن القود ونصف الدية ، فيسقط القود ، ونصف الدية . 
ولو عفا عن القود مطلقا ولم يتعرض للدية  ، لم تجب دية على المذهب ، لأن القتل لم يوجبها على هذا القول ، والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم ، فإن قلنا : لا تثبت الدية بنفس العفو ، فاختارها بعد العفو ، قال   ابن كج     : تثبت الدية ، ويكون اختيارها بعد العفو كالعفو عليها ، وحكي عن النص أن هذا الاختيار يكون عقب العفو ، وعن بعض الأصحاب أنه يجوز فيه التراخي ، ولو عفا عن الدية ، فهو لغو على هذا القول ، فله بعد ذلك العفو عن القود على الدية ، فلو عفا مطلقا ، عاد الخلاف في وجوب الدية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					