فصل 
لا فرق في الموضحة بين الصغيرة والكبيرة ، والبارزة والمستورة بالشعر ، والتي يتولد منها شين فاحش والتي لا يتولد  ، فلا يجب في الجميع إلا خمس من الإبل ؛ فإن تعددت الموضحة  ، تعدد الأرش ، وتعددها يكون بأسباب : 
الأول : اختلاف الصورة ، بأن أوضحه في موضعين من رأسه ، وبقي اللحم والجلد بينهما ؛ فيجب أرشان ، سواء رفع الحديدة عن موضحة   [ ص: 267 ] ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه ، أو جرها على الرأس من موضع الإيضاح إلى أن تحامل عليها في موضع آخر فأوضحه ، وبقي اللحم والجلد بينهما سليمين . 
وحكى الإمام في الصورة الثانية وجها ضعيفا أن الحاصل موضحة واحدة لاتحاد الفعل ، ولو كثرت الموضحات  ، تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط . وقيل : إذا كثرت وصارت بحيث لو أوجبنا لكل موضحة خمسا من الإبل ، لزاد المبلغ على دية نفس ، لم يوجب أكثر من دية نفس ؛ والصحيح الأول ، ولو لم يبق الحاجز بين موضعي الإيضاح بكماله ، بل بقي جلد دون اللحم أو عكسه  ، فأربعة أوجه : 
أصحها : أن الحاصل موضحة ، والثاني : موضحتان ، والثالث : إن بقي الجلد ، فموضحة ، وإن بقي اللحم ، فموضحتان ، والرابع : عكسه . 
فعلى الأول ، لو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة ، ونفذها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها ، فهل يتحدان ؟  وجهان . 
ولو عاد الجاني ، فرفع الحاجز بين موضحتيه قبل الاندمال  ، فالصحيح أنه لا يلزمه إلا أرش واحد ، وقيل : أرشان ، وقيل : ثلاثة ، ولو تآكل الحاجز بينهما ، كان كما لو رفعه الجاني ؛ لأن الحاصل بسراية فعله منسوب إليه ، ولو رفع الجلد أو اللحم ، أو تآكل أحدهما دون الآخر  ، ففيه الأوجه الأربعة . 
ولو رفع الحاجز غير الجاني ؛ فعليه أرش موضحة ، وعلى الأول : أرشان ، ولو رفعه المجني عليه ، ففعله هدر ، ولا يسقط به شيء مما وجب على الجاني ، ولو أوضحه رجلان ، فتآكل الحاجز بين موضحتيهما  ، عادتا إلى واحدة ؛ فعلى كل واحد نصف الأرش ، ولو اشتركا في موضحتين ، ثم رفع أحدهما الحاجز بينهما  ؛ فعلى الرافع نصف أرش وعلى الآخر أرش كامل . 
فرع 
شجه شجة ، بعضها موضحة ، وبعضها متلاحمة ، أو سمحاق  ،   [ ص: 268 ] فالواجب في الجميع أرش موضحة ويدخل فيها حكومة المتلاحمة والسمحاق ؛ لأنها لو كانت كلها موضحة لم يجب إلا أرش ؛ فهنا أولى ، فلو اقتص فيما فيها من الموضحة ، فهل له الحكومة لما حولها من المتلاحمة والسمحاق ؟  قال  البغوي     : يحتمل أن يكون فيه وجهان ، كما لو قطع يده من نصف الكف ، فاقتص من الأصابع ، هل له حكومة نصف الكف ؟ وجهان : 
السبب الثاني : اختلاف المحل ؛ فلو نزل في الإيضاح من الرأس إلى الجبهة إما لشمول الإيضاح ، وإما بأن أوضح شيئا من الرأس وشيئا من الوجه ، وجرح بينهما جراحة دون الموضحة  ؛ فوجهان ، أحدهما : الحاصل موضحة ، لأن الجبهة والرأس محل الإيضاح ، وأصحهما : موضحتان لاختلاف المحل . 
ولو شملت الموضحة الجبهة والوجنة  ، قال الإمام : في التعدد تردد ، والمذهب الاتحاد تنزيلا لأجزاء الوجه منزلة أجزاء الرأس ، ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى القفا ، وجرح القفا مع إيضاحه أو بغير إيضاحه  ، لزمه مع أرش الموضحة حكومة لجرح القفا ؛ لأنه ليس محل الإيضاح ، فلم تدخل حكومته في الأرش ، ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى الجبهة ، وجرحها جراحة متلاحمة  ، فإن قلنا : لو أوضح في الجبهة أيضا ، كان الحاصل موضحة ، دخلت حكومة جراحة الجبهة في أرش الموضحة ، وإن قلنا : الحاصل موضحتان ، وجب مع الأرش حكومة . 
السبب الثالث : تعدد الفاعل ، بأن أوضح رجلا ، فوسع آخر تلك الموضحة ، أو أوضح قطعة متصلة بموضحة الأول  ؛ فعلى كل واحد منهما أرش كامل ، ولو وسع الأول موضحته ، لزمه أرش واحد على الصحيح ، وقيل : أرشان . 
 [ ص: 269 ] السبب الرابع : اختلاف الحكم ، بأن أوضحه موضحة واحدة هو في بعضها مخطئ ، وفي بعضها متعمد ، أو في بعضها مقتص وفي بعضها متعد ، فهل الحاصل موضحة لاتحاد الصورة والجاني والمحل ، أم موضحتان لاختلافهما ؟  وجهان ، أصحهما : موضحتان ؛ فإن قلنا : موضحة ، وزع الأرش على البعضين ، وإن قلنا : موضحتان ، وجب أرش كامل لما تعدى به ، ولو أوضح موضحتين عمدا ورفع الحاجز بينهما خطأ  ، وقلنا بالصحيح : أنه لو رفعه عمدا تداخل الأرشان ، فهل يلزمه أرش ثالث أم لا يلزمه إلا أرش واحد ؟ وجهان : أرجحهما : أرش فقط . والله أعلم . 
فرع 
يتعدد أرش الجائفة بتعددها ، فلو أجاف جائفتين ، ثم رفع الحاجز بينهما ، أو تآكل ما بينهما ، أو رفعه غير الجاني  ؛ فعلى ما ذكرناه في الموضحة . 
وتتعدد الجائفة بتعدد الصورة ؛ بأن يجرحه جراحتين نافذتين إلى الجوف ؛ فإن بقي بينهما الجلدة الظاهرة ، أو انخرق ما تحتها ، أو بالعكس ، فيشبه أن يكون حكمه كما ذكرنا في الموضحة ، وتتعدد بتعدد المحل ، بأن ينفذ جراحتين إلى جوفين ويتعدد الفاعل ، بأن يوسع جائفة غيره ، وفصله الأصحاب فقالوا : إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئا ، فلا ضمان عليه ويعزر ، وإن قطع شيئا من الظاهر دون الباطن أو بالعكس ؛ فعليه حكومة ، وإن قطع شيئا من الظاهر ومن جانب بعض الباطن  ، قال  المتولي     : ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويسقط أرش الجائفة على المقطوع من الجائفتين ، وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش ، بأن يقطع نصف الظاهر من جانب ، ونصف الباطن من جانب ، ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئا ، ولكن زاد في غورها ، أو كان قد ظهر عضو   [ ص: 270 ] باطن ، كالكبد ، فغرز السكين فيه ؛ فعليه الحكومة ، ولو عاد الجاني فوسع الجائفة ، أو زاد في غورها  ، لم يزد الواجب وكان كما لو أجاف ابتداء كذلك . ويمكن أن يعود فيه الوجه السابق في توسيع الموضحة ، ويجيء في اختلاف حكم الجائفة وانقسامها إلى عمد وخطأ ما سبق في الموضحة ، ولو ضربه بسنان ، أو مشقص له رأسان ، فنفذ إلى جوفه والحاجز بينهما سليم  ؛ فهما جائفتان ، ولو طعنه بسنان في بطنه ، فأنفذه من ظهره ، أو من أحد الجنبين إلى الآخر ، فهل هما جائفتان أم جائفة ؟  وجهان ، ويقال : قولان ، أصحهما : جائفتان ، فإن قلنا : جائفة ، وجب معها حكومة على الأصح ، وقيل : لا حكومة . 
				
						
						
