[ ص: 47 ] الفصل الثالث في أحكام الإمام وفيه مسائل : 
إحداها : تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع  ، سواء كان عادلا أو جائرا . 
الثانية : لا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد إقليماهما  ، وقال  الأستاذ أبو إسحاق     : يجوز نصب إمامين في إقليمين ; لأنه قد يحتاج إليه ، وهذا اختيار الإمام ، والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول ، فإن عقدت البيعة لرجلين معا ، فالبيعتان باطلتان ، وإن ترتبتا فالثانية باطلة ، ثم إن جهل الثاني ومبايعوه بيعة الأول ، لم يعزروا ، وإلا فيعزرون ، ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين ، أو شككنا في معيتهما وتعاقبهما ، فليكن كما سبق في الجمعتين ، ولو سبق أحدهما وتعين ، واشتبه ، وقف الأمر حتى يظهر ، فإن طالت المدة ، ولم يكن الانتظار ، فقد ذكر  الماوردي  أنه تبطل البيعتان ، وتستأنف بيعة لأحدهما ، وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف . 
قلت : الأصح المنع . والله أعلم . 
قال  الماوردي     : ولو ادعى كل واحد أنه الأسبق  ، لم تسمع دعواه ، ولم يحلف الآخر ; لأن الحق للمسلمين ، ولو قطعا التنازع ، وسلم أحدهما الأمر للآخر ، لم تثبت الإمامة له ، بل لا بد من بينة بسبقه ، قال : ولو أقر أحدهما بسبق صاحبه ، خرج منها المقر ، ولا تثبت للآخر إلا ببينة ، فإن شهد له المقر مع آخر ، قبلت شهادته إن كان يدعي اشتباه الأمر قبل الإقرار ، وإن كان يدعي التقديم ، لم تسمع للتكاذب في قوليه . 
 [ ص: 48 ] المسألة الثالثة : إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة ، فجاء آخر ، فقهره ، انعزل الأول ، وصار القاهر الثاني إماما . 
الرابعة : لا يجوز خلع الإمام بلا سبب  ، فلو خلعوه ، لم ينخلع ، ولو خلع الإمام نفسه ، نظر ، إن خلع لعجزه عن القيام بأمور المسلمين لهرم أو مرض ونحوهما ، انعزل ، ثم إن ولى غيره قبل عزل نفسه ، انعقدت ولايته ، وإلا فيبايع الناس غيره ، وإنعزل نفسه بلا عذر  ، ففيه أوجه : أصحها : لا ينعزل ، وبه قطع صاحب " البيان " وغيره ، والثاني : ينعزل ; لأن إلزامه الاستمرار قد يضر به في آخرته ودنياه ، والثالث وبه قطع  البغوي     : إن لم يظهر عذر ، فعزل نفسه ولم يول غيره ، أو ولى من هو دونه ، لم ينعزل ، وإن ولى مثله ، أو أفضل ، ففي الانعزال وجهان ، وهل للإمام عزل ولي العهد ؟ قال  المتولي     : نعم ،  والماوردي     : لا ; لأنه ليس نائبا له بل للمسلمين . 
قلت : قول  الماوردي  أصح ، قال  الماوردي     : فلو عزله الإمام ، وعهد إلى ثان ، ثم عزل المعهود إليه أولا نفسه ، فعهد الثاني باطل ، ولا بد من استئنافه . والله أعلم . 
الخامسة : سبق في باب الأوصياء أن الإمام لا ينعزل بالفسق  على الصحيح ، ولا ينعزل بالإغماء ; لأنه متوقع الزوال ، وينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم ، وبالجنون ، قال  الماوردي     : فلو كان يجن ويفيق ، وزمن الإفاقة أكثر ، ويمكن فيه من القيام بالأمور ، لم ينعزل ، وينعزل بالعمى والصمم والخرس ، ولا ينعزل بثقل السمع ، وتمتمة اللسان ، وفي منعهما ابتداء الولاية خلاف ، والأصح أن قطع إحدى اليدين أو الرجلين ، لا يؤثر في الدوام وبالله التوفيق . 
 [ ص: 49 ] قلت : ومما يتعلق بالباب مسائل ، إحداها : قال  الماوردي     : لو أسر الإمام  ، لزم الأمة استنقاذه ، وهو على إمامته ما دام مرجو الخلاص بقتال أو فداء ، فإن أيس منه ، نظر ، إن أسره كفار ، خرج من الإمامة ، وعقدوها لغيره ، فإن عهد بالإمامة وهو أسير ، نظر إن كان بعد اليأس من خلاصه ، لم يصح عهده ; لأنه عهد بعد انعزاله ، وإن عهد قبل اليأس ، صح عهده لبقاء ولايته ، وتستقر إمامة المعهود إليه باليأس من خلاص العاهد لانعزاله ، ولو خلص من أسره ، نظر إن خلص بعد اليأس ، لم تعد إمامته ، بل تستقر لولي عهده ، وإن خلص قبل اليأس ، فهو على إمامته ، وأما إذا أسره بغاة من المسلمين ، فإن كان مرجو الخلاص ، فهو على إمامته ، وإن لم يرج وكانت البغاة لا إمام لهم ، فالأسير على إمامته ، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه إن لم يقدر هو على الاستنابة ، فإن قدر ، فهو أحق بالاستنابة ، فإن خلع الأسير نفسه ، أو مات ، لم يصر المستناب إماما ، وإن كان للبغاة الذين أسروه إمام نصبوه ، خرج الأسير من الإمامة إن أيس من خلاصه ، وعلى أهل الاختيار في دار العدل عقد الإمامة لمن يصلح لها ، فإن خلص الأسير ، لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها . 
المسألة الثانية : تجب نصيحة الإمام  بحسب القدرة . 
الثالثة : يجوز أن يقال للإمام : الخليفة والإمام وأمير المؤمنين ، قال  الماوردي     : ويقال أيضا : خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال  البغوي  في شرح السنة : ويقال له أمير المؤمنين وإن كان فاسقا ، وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في أواخر كتاب الأذكار . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					