فصل 
المؤمن إذا أكره على أن يتكلم بكلمة الكفر فتكلم بها  ، لا يحكم بردته ، فلا تبين زوجته ، ولو مات ورثه ورثته المسلمون ، وسبق في أول الجنايات أنه يباح له التكلم بكلمة الكفر بالإكراه ، وأن الأصح أنه لا يجب ، وأن الأفضل أن يثبت ولا يتكلم بها ، وهل تقبل الشهادة على الردة مطلقا ، أم لا تقبل حتى يفصل لاختلاف الناس فيما يوجبها ؟ فيه قولان ، أظهرهما : الأول ، وعلى هذا لو شهد عدلان بردته فقال : كذبا ، أو ما ارتددت ، قبلت شهادتهما ، ولا يغنيه التكذيب ، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما ، ولا ينفعه ذلك في بينونة زوجته ، وكذا الحكم لو شرطنا التفصيل ، ففصلا ، وكذبهما ، فلو قال : كنت مكرها فيما فعلته ، نظر ، إن كانت قرائن الأحوال تشهد له ، بأن كان في أسر الكفار ، أو كان محفوفا بجماعة منهم وهو مستشعر ، صدق بيمينه ، قال صاحب " البيان " وغيره : وكذا الحكم لو قامت بينة بإقراره بالبيع   [ ص: 73 ] وغيره وكان مقيدا أو محبوسا ، فقال : كنت مكرها ، وإن لم تشهد القرائن بصدقه ، بأن كان في دار الإسلام ، لم يقبل قوله ، وأجريت عليه أحكام المرتدين ، وكذا لو كان في دار الحرب وهو مخلى آمن ، ولو لم يقل الشاهدان : ارتد ، بل قالا : تلفظ بكلمة الكفر ، فقال : صدقا ، ولكنني كنت مكرها  ، قال  الشيخ أبو محمد  وتابعوه عليه : يقبل قوله ; لأنه ليس فيه تكذيب الشاهد بخلاف ما إذا شهد بالردة ، فإن الإكراه ينافي الردة ولا ينافي التلفظ بكلمتها ، قال الشيخ : والجزم أن يجدد كلمة الإسلام ، فلو قتل قبل التجديد ، فهل يكون قتله مضمونا ; لأن الردة لم تثبت أم لا ; لأن لفظ الردة وجد والأصل الاختيار ؟ فيه قولان قال الإمام : والقولان إذا لم يدع الإكراه ، أو لم يحلف عليه ، فأما إذا ادعاه وحلف عليه ، فقد ثبت الإكراه بالحجة ، فنقطع بأنه مضمون ، وفيما ذكرناه دلالة بينة على أنهما لو شهدا بردة الأسير ، ولم يدع إكراها  ، حكم بردته ، ويؤيده ما حكي عن  القفال  ، أنه لو ارتد أسير مع الكفار ، ثم أحاط بهم المسلمون ، فاطلع من الحصن وقال : أنا مسلم وإنما تشبهت بهم خوفا ، قبل قوله وحكم بإسلامه ، وإن لم يدع ذلك حتى مات ، فالظاهر أنه ارتد طائعا ، وإن مات أسيرا ، وعن نص   الشافعي  رحمه الله أنهما لو شهدا بتلفظ رجل بالكفر وهو محبوس أو مقيد ، لم يحكم بكفره ، وإن لم يتعرض الشاهدان للإكراه ، وفي " التهذيب " أن من دخل دار الحرب وكان يسجد للصنم ، ويتكلم بالكفر ، ثم قال : كنت مكرها ، فإن فعله في مكان خال ، لم يقبل قوله كما لو فعله في دار الإسلام ، وإن فعله بين أيديهم قبل قوله إن كان أسيرا ، وإن كان تاجرا ، فلا . 
فرع 
مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين ، فقال أحدهما : مات   [ ص: 74 ] مسلما ، وقال الآخر : كفر بعد إسلامه ومات كافرا  ، فإن بين سببه ، فقال : سجد لصنم ، أو تكلم بكلام كفر به ، فلا إرث له ، ويصرف نصيبه إلى بيت المال ، وإن أطلق ، فثلاثة أقوال ، أحدها : يصرف إليه نصيبه ولا أثر لإقراره ; لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفرا ، والثاني : يجعل فيئا ، والثالث وهو الأظهر : يستفصل ، فإن ذكر ما هو كفر ، كان فيئا ، وإن ذكر ما ليس بكفر ، صرف إليه ، ولو قال : مات كافرا ; لأنه كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير ، فهل يرثه ؟ قولان ، أظهرهما : نعم . 
فرع 
تلفظ أسير بكلمة كفر مكرها  ، لا يحكم بكفره ، فإن مات هناك ، مات مسلما وورثه ورثته المسلمون ، فإن رجع إلى دار الإسلام ، عرض عليه الدين لاحتمال أنه كان مختارا فيما أتى به ، وهنا ثلاثة أشياء ، أحدها : أطلق الجمهور العرض ، وشرط له   ابن كج  أن لا يؤم الجماعات ولا يقبل على الطاعات بعد العود إلينا ، فإن فعل ذلك فلا عرض . 
الثاني : سكت الجمهور عن كون هذا العرض مستحبا أم واجبا ، وقال   ابن كج     : مستحب ; لأنه لو أكره على الكفر في دار الإسلام  لا يعرض الإسلام عليه بعد زوال الإكراه باتفاق الأصحاب . 
الثالث : إذا امتنع بعد العرض ، فالمنقول أنه يحكم بكفره ، ويستدل بامتناعه على أنه كان كافرا عند التلفظ ، ومقتضى هذا أن الحكم بكفره من يومئذ ، قال الإمام : وفي الحكم بكفره احتمال ، ولو مات قبل العرض والتلفظ بالإسلام ، فالصحيح أنه كما لو مات قبل أن يعود إلينا ، وقيل : يموت كافرا وكان من حقه إذا جاء أن يتكلم بكلمة الإسلام . 
فرع 
ارتد الأسير مختارا ثم رأيناه يصلي صلاة المسلمين في دار الحرب  ،   [ ص: 75 ] فالصحيح المنصوص أنه يحكم بإسلامه بخلاف ما لو صلى في دار الإسلام لا يحكم بإسلامه ; لأنها في دار الحرب لا تكون إلا عن اعتقاد ، وفي دار الإسلام قد تكون للتقية ، وقال الإمام : قال العراقيون : هي إسلام ، ثم استبعده وقال : الوجه في قياس المراوزة القطع بأنه ليس إسلاما ، كما لو رأينا الكافر الأصلي يصلي في دار الحرب ، وسوى صاحب " البيان " بين الأصلي والمرتد ، فقال : إذا صلى الكافر الأصلي بدار الحرب  ، حكم بإسلامه ، ولو صلى في دار الإسلام ، لم يحكم به . 
قلت : هذا المنقول عن صاحب " البيان " هو قول   القاضي أبي الطيب  ، وقد سبقت حكاية  الرافعي  له في صلاة الجماعة ، وشذ  المتولي  ، فحكاه هناك عن نص   الشافعي  رحمه الله ، والصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يكون إسلاما من الأصلي بخلاف المرتد ; لأن علقة الإسلام باقية في المرتد ، فصلاته عود منه إلى ما كان ، ثم سواء في كل ما ذكرنا الصلاة منفردا وإماما ومقتديا ، وهذا إذا لم يسمع منه التشهد فيها ، فإن سمعناه ، فهو مسلم حيث ما كان ، وأي كافر كان ، وفيه وجه شاذ سبق في باب الأذان . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					