الطرف الثاني في عقوبتهم : فإذا علم الإمام من رجل ، أو من جماعة أنهم يترصدون للرفقة  ، ويخيفون السبيل ، ولم يأخذوا بعد مالا ، ولا قتلوا نفسا ، طلبهم ، وعزرهم بالحبس وغيره ، قال  ابن سريج     : والحبس في هذه الحال في غير موضعهم أولى ؛ لأنه أحوط وأبلغ في الزجر والإيحاش ، وإن أخذ قاطع من المال قدر نصاب السرقة  ، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ، فإن عاد مرة أخرى ، قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ، وإنما يقطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة ، وسواء كان النصاب لواحد أو لجماعة الرفقة كما سبق في السرقة ، وإن كان المأخوذ دون نصاب ، فلا قطع ، وقال   ابن خيران     : فيه قولان ، كالقولين في قتل قاطع الطريق ، هل تعتبر فيه الكفاءة ؛ لأنه فارق السرقة في اشتراط الحرز فكذا في النصاب ، والمذهب الأول ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " القطع في ربع دينار فصاعدا   " وما ادعاه في الحرز ممنوع ، بل الذي قاله الأصحاب : أنه لو كان المال ضائعا تسير به الدواب بلا حافظ ، فلا قطع ، ولو كانت الجمال مقطورة ولم تتعهد كما شرطنا فيها ، لم يجب القطع ، وإن قتل قاطع الطريق ، قتل ، وهو قتل متحتم ليس سبيله سبيل القصاص ، وإن جمع بين القتل وأخذ المال ، قتل وصلب ، ويعتبر في المال كونه نصابا ، ويجيء فيه خلاف ابن خيران ، هذا هو المذهب ، وخرج ابن سلمة قولا : أنه تقطع يده ورجله ويقتل ويصلب ، وحكى صاحب " التقريب "   [ ص: 157 ] قولا : أنه إن قتل وأخذ نصابا  ، قطع وقتل ، ولم يصلب ، وإن قتل وأخذ دون نصاب  ، لم يقطع بل يقتل ويصلب ، وفي كيفية القتل والصلب إذا اجتمعا قولان ، أظهرهما : يقتل ثم يصلب ، وعلى هذا كم يترك مصلوبا ؟ وجهان ، أصحهما وهو نصه : ثلاثا ، فإذا مضى الثلاث ، وسال صليبه ، وهو الودك ، أنزل ، وإلا فوجهان ، أحدهما : لا ينزل بل يترك حتى يسيل صليبه ، وأصحهما : ينزل ، ويكفي ما حصل من النكال ، ولو خيف التغير قبل الثلاث هل ينزل ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، وبه قال  الماسرجسي  وغيره ، والوجه الثاني من الأصل : يترك مصلوبا حتى يسيل صديده ويتهرأ ، ولا ينزل بحال ، والوجهان متفقان على أن يصلب على خشبة ونحوها ، وهو الصحيح ، وعن   ابن أبي هريرة  أنه يطرح على الأرض حتى يسيل صديده ، قال الإمام وذكر  الصيدلاني     : أنه يترك حتى يتساقط ، وفي القلب منه شيء ، فإني لم أره لغيره ، وإذا قلنا : ينتظر سيلان الصليب ، لم نبال نتنه ، ولفظ  البغوي  في حكاية وجه   ابن أبي هريرة  أنه يترك حتى يسيل صديده إلا أن يتأذى به الأحياء ، وما ذكره الإمام أقرب إلى سياق ذلك الوجه . 
والقول الثاني في كيفية القتل    : أنه يصلب حيا ، ثم يقتل ، وعلى هذا كيف يقتل ، أيترك بلا طعام وشراب حتى يموت ، أم يجرح حتى يموت ، أم يترك مصلوبا ثلاثا ، ثم ينزل ويقتل ، فيه أوجه ، ويعرف بهذا أن الصلب على هذا القول يراد به صلب لا يموت منه ، وتقدم في كتاب الجنائز حكم الصلاة عليه ، وأن الخلاف السابق في إنزاله عن الخشبة بعد ثلاث وتركه جار تفريعا على القول الثاني ، أما إذا لم يأخذ مالا ولا قتل  ، ولكن كثر جمع القاطعين ، وكان ردءا لهم ، وأرغب الرفقة عليه ، كما لا حد في مقدمات الزنى ، ولو أخذ بعضهم أقل من نصاب ، فكذلك الحكم إذا شرطنا النصاب ، ولا يكمل نصابه بما أخذه غيره ، وفيما يعاقب به الردء وجهان ، أصحهما : يعزره الإمام باجتهاده بالحبس   [ ص: 158 ] أو التغريب أو سائر وجوه التأديب ، كسائر المعاصي . والثاني : يغربه بنفيه إلى حيث يرى ، وليختر جهة يحف بها أهل النجدة من أصحاب الإمام ، وإذا عين صوبا ، منعه العدول إلى غيره ، وعلى هذا هل يعزر في البلد المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما ، أم يكفي النفي ؟ وجهان . 
قلت : الأصح : أنه إلى رأي الإمام وما اقتضته المصلحة . والله أعلم . 
فرع 
من اجتمع عليه قتل وصلب ، فمات ، فهل يجب صلبه ؟  وجهان ، أحدهما : نعم ؛ لأن القتل والصلب مشروعان ، تعذر أحدهما فوجب الآخر . والثاني : لا ، وبه قال   الشيخ أبو حامد  ، وينسب إلى النص ؛ لأنه تابع للقتل ، فسقط بسقوط المتبوع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					