[ ص: 168 ] باب حد شارب الخمر  
شرب الخمر من كبائر المحرمات  ، قال الأصحاب : عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد حرام بالإجماع ، وسواء قليله وكثيره ، ويفسق شاربه ويلزمه الحد ، ومن استحله كفر ، وعصير الرطب النيء ، كعصير العنب النيء ، كذا ذكره  البغوي  وطائفة ، وحكاه  الروياني  عن بعضهم واستغربه ، واختار كونه كسائر الأشربة ، أما سائر الأشربة المسكرة  ، فهي في التحريم ووجوب الحد عندنا كعصير العنب ، لكن لا يكفر مستحلها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، وذكر الأصحاب خلافا في أن اسم الخمر هل يتناولها ؟ والأكثرون على المنع ، وكل شراب حكمنا بتحريمه ، فهو نجس ، وبيعه باطل  ، وما لا يسكر من الأنبذة لا يحرم ، لكن يكره شرب المنصف والخليطين  للحديث الناهي عنهما ، والمنصف : ما عمل من تمر ورطب ، وشراب الخليطين ما عمل من بسر ورطب ، وقيل : ما عمل من تمر وزبيب ، وسبب النهي أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه ، فيظن الشارب أنه ليس بمسكر ويكون مسكرا ، وهذا كالنهي عن الانتباذ في الأوعية  التي كانوا ينبذون فيها ، كالدباء وهو القرع ، والحنتم وهو جرار خضر ، والنقير وهو جذع ينقر ويتخذ منه إناء ، والمزفت وهو المطلي بالزفت وهو القار ، ويقال له : المقير ؛ لأن هذه الأوعية يشتد فيها ولا يعلم به بخلاف الأسقية من الأدم . 
قلت : والنهي عن هذه الأوعية منسوخ ، ثبت نسخه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح  مسلم     . والله أعلم . 
وفي الباب طرفان : الأول : في الشراب الموجب للحد  ، فكل ملتزم لتحريم المشروب شرب ما يسكر جنسه مختارا بلا ضرورة ولا عذر ، لزمه الحد ، فهذه خمسة قيود .   [ ص: 169 ] الأول : الملتزم  ، فلا حد على صبي ومجنون وحربي ، والمذهب أن الذمي لا يحد بالخمر  ، وأن الحنفي يحد بشرب النبيذ وإن كان لا يعتقد تحريمه ، ويأتي في الشهادة إن شرب الحنفي النبيذ هل يفسق به وترد شهادته ؟  إن شاء الله تعالى . 
الثاني : قولنا : شرب ما يسكر جنسه  يخرج بلفظ الشرب ما لو احتقن ، أو استعط بالخمر ، فلا حد ؛ لأن الحد للزجر ، ولا حاجة فيه إلى الزجر ، وقيل : يحد ، وقيل : يحد في السعوط دون الحقنة ، والأول أصح ، ويتعلق بكون المشروب مسكرا في جنسه صور : منها : أنه يدخل فيه النبيذ ودردي الخمر والثخين منها إذا أكله بخبز ، أو ثرد فيها وأكل الثريد ، أو طبخ بها ، وأكل المرق ، فيحد بكل ذلك ، ولا يحد بأكل اللحم المطبوخ بها ، ولا بأكل خبز أو معجون عجن بها على الصحيح فيهما ، وعلى هذا قال الإمام : من شرب كوز ماء فيه قطرات خمر والماء غالب  ، لم يحد لاستهلاك الخمر . 
الثالث : كون الشارب مختارا  ، فلا حد على من أوجر قهرا ، والمذهب أنه لا يحد من أكره حتى شرب ، وذكر   ابن كج  فيه وجهين . 
الرابع : أن لا يكون مضطرا  ، فلو غص بلقمة ، ولم يجد ما يسيغها غير الخمر  ، وجب عليه إساغتها بالخمر ولا حد ، وحكى  إبراهيم المروذي  في تحريم الإساغة وجهين لعموم النهي ، والمذهب الأول ، وأما شربها للتداوي والعطش والجوع إذا لم يجد غيرها  ففيه أوجه ، أصحها والمنصوص وقول الأكثرين : لا يجوز لعموم النهي ، ولأن بعضها يدعو إلى بعض . والثاني : يجوز كما يجوز شرب البول والدم لذلك ، وكما يتداوى بالنجاسات ، كلحم الحية والسرطان والمعجون فيه خمر . والثالث : يجوز للتداوي دون العطش والجوع ، ورجحه  الروياني     . والرابع : عكسه ؛ لأن دفع العطش موثوق به في الحال ، وهذا هو الصحيح عند الإمام ، ونقل اتفاق الأصحاب على تحريم التداوي ، قال : وبلغنا عن   [ ص: 170 ] آحاد من المتأخرين القول بجوازه من غير تدوين في كتاب . والخامس : يجوز للعطش دون الجوع ؛ لأنها تحرق كبد الجائع ، ثم الخلاف في التداوي مخصوص بالقليل الذي لا يسكر ، ويشترط خبر طبيب مسلم ، أو معرفة المتداوي إن عرف ، ويشترط أن لا يجد ما يقوم مقامها ، ويعتبر هذان الشرطان في تناول سائر الأعيان النجسة ، ولو قال الطبيب : يتعجل بها الشفاء ، فالأصح أنه كرجاء الشفاء ، ثم قال  القاضي حسين   والغزالي     : لا حد على المتداوي وإن حكمنا بالتحريم لشبهة الخلاف ، وقال الإمام : أطلق الأئمة المعتبرون أقوالهم في طرقهم أن التداوي حرام موجب للحد ، وإذا جوزنا الشرب للعطش ، لزمه الشرب ، كتناول الميتة للمضطر ولا حد ، وإذا لم نجوزه ، ففي الحد الخلاف كالتداوي . 
الخامس : أن لا يكون له عذر في الشرب  ، فلو شرب قريب عهد بالإسلام وادعى جهل التحريم  ، لم يحد ، فلو قال : علمت التحريم وجهلت الحد ، وجب الحد ، ولو شرب خمرا وهو يظن أنه يشرب غير مسكر في جنسه  ، فلا حد ، وإن سكر منه لم يلزمه قضاء الصلوات ، كالمغمى عليه ، وإن علم أنه من جنس المسكر ، وظن أن ذلك القدر لا يسكر ، حد ، ولزمه قضاء الصلوات الفائتة في السكر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					