[ ص: 20 ] فصل 
تكره اليمين إلا إذا كانت في طاعة كالبيعة على الجهاد ، ويستثنى أيضا الأيمان الواقعة في الدعاوى ، إذا كانت صادقة ، فإنها لا تكره . 
قلت : وكذا لا يكره إذا دعت إليه حاجة كتوكيد كلام أو تعظيم أمره ، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " فوالله لا يمل الله حتى تملوا   " وفي الحديث الآخر ، " والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا   " وأشباهه في الصحيح كثيرة مشهورة . - والله أعلم - . 
ثم إن حلف على فعل واجب ، أو ترك حرام  ، فيمينه طاعة ، والإقامة عليها واجبة ، والحنث معصية ، وتجب به الكفارة ، وإن حلف على ترك واجب ، أو فعل حرام  ، فيمينه معصية ، ويجب عليه أن يحنث ويكفر . وإن حلف على فعل نفل كصلاة تطوع ، وصدقة تطوع  ، فالإقامة على ذلك طاعة ، والمخالفة مكروهة ، وإن حلف على ترك نفل  ، فاليمين مكروهة والإقامة عليها مكروهة ، والسنة أن يحنث ، وعد   الشيخ أبو حامد  وجماعة من هذا القبيل ، ما إذا حلف لا يأكل طيبا ، ولا يلبس ناعما  ، وقالوا : اليمين عليه مكروهة ، لقول الله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق    ) واختار   القاضي أبو الطيب  أنها يمين طاعة ، لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش ، وقال  ابن الصباغ     : يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس ، وقصودهم وفراغهم للعبادة ، وإشغالهم بالضيق والسعة ، وهذا أصوب ، وإن حلف على مباح ، لا يتعلق به مثل هذا الغرض ، كدخول دار ، وأكل طعام ، ولبس ثوب ، وتركها  ، فله أن يقيم على اليمين ، وله أن يحنث ، وهل الأفضل الوفاء باليمين ؟ أم الحنث ؟ أم يتخير بينهما ولا ترجيح كما كان   [ ص: 21 ] قبل اليمين ؟ فيه أوجه ، أصحها : الأول ، وبه قال   أبو علي الطبري  ، واختاره  الصيدلاني  ،  وابن الصباغ  ،   والغزالي  وغيرهم ، لقول الله تعالى : ( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها    ) ولما فيه من تعظيم اسم الله تعالى ، وقد حصل مما ذكرناه أن اليمين لا تغير حال المحلوف عليه عما كان ، وجوبا وتحريما وندبا وكراهة وإباحة . 
الطرف الثاني : في كيفية كفارة اليمين  ، وهي مختصة باشتمالها على تخيير في الابتداء ، وترتيب في الانتهاء فيتخير الحالف بين أن يطعم عشرة مساكين ، أو يكسوهم ، أو يعتق رقبة ، فإن اختار الإطعام ، أطعم كل واحد مدا ، والقول في جنس الطعام ، وكيفية إخراجه ، ومن يصرف إليه ، وامتناع إخراج القيمة ، وصرف الأمداد العشرة إلى بعض ، وسائر المسائل على ما سبق في الكفارات ، وإن اختار الكسوة ، كساهم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وإن اختار الإعتاق ، فلتكن الرقبة بالصفات المذكورة في الكفارات . ولو أطعم بعض العشرة ، وكسا بعضهم  ، لم يجزه ، كما لا يجوز أن يعتق نصف رقبة  ، أو أطعم ثلاثين مسكينا ، أو كساهم عن ثلاث كفارات ولم يعين  ، أجزأه عنهن ، فإن عجز من الخصال الثلاث صام ثلاثة أيام  ، والقول فيما يحصل به العجز ذكرناه في الكفارات ، ومن له أن يأخذ سهم الفقراء أو المساكين من الزكوات ، أو الكفارات ، له أن يكفر بالصوم ، لأنه فقير في الأخذ ، فكذا في الإعطاء ، وقد يملك نصابا ، ولا يفي دخله بخرجه ، فيلزمه الزكاة وله أخذها والفرق بين البابين أنا لو أسقطنا الزكاة خلا النصاب عنها بلا بدل ، وللتكفير بالمال بدل ، وهو الصوم . وهل يجب التتابع في صوم الثلاثة ؟  قولان : أظهرهما : عند الأكثرين لا ، قال الإمام : وهو الجديد ، فإن أوجبناه ، فالفطر في اليوم الثاني أو الثالث بعذر المرض أو السفر على الخلاف في   [ ص: 22 ] كفارة الظهار ، والحيض هنا يقطع التتابع ، لإمكان الاحتراز عنه بخلاف الشهرين ، وقيل : لا يقطعه كالشهرين ، وقيل قولان : كالمرض ، والمذهب الأول ، فإن كانت لم تحض قط ، فشرعت في الصوم ، فابتدأها الحيض  ، فهو كالمرض . 
فرع 
يجب في الكسوة  التمليك ، والواجب ثوب ، قميص ، أو سراويل ، أو عمامة ، أو جبة ، أو قباء ، أو مقنعة ، أو إزار ، أو رداء ، أو طيلسان ، لأن الاسم يقع على كل هذا ، وحكي قول : أنه يشترط ساتر العورة ، بحيث تصح الصلاة فيه ، فتختلف الحال بذكورة الآخذ وأنوثته ، فيجزئ الإزار إن أعطاه لرجل ، ولا يجزئ إن أعطاه لامرأة ، والمشهور الأول . 
قلت : ويجزئ المنديل ، صرح به أصحابنا ، والمراد به هذا المعروف الذي يحمل في اليد ، وقد صرح  الدارمي  بأن كل واحد من المنديل والعمامة يجزئ . - والله أعلم - . 
وأما الثوب الصغير الذي يكفي لرضيع وصغير دون كبير ، فإن أخذه الولي لصغير ، جاز ، لأن صرف طعام الكفارة وكسوتها للصغار  جائز كما في الزكاة ، ويتولى الولي الأخذ ، وإن أخذه كبير لنفسه ، جاز على الأصح ، وبه قال  القاضي حسين  ، لأنه لا يشترط أن يلبس الآخذ ما يأخذه ، ولهذا يجوز أن يعطي الرجل كسوة المرأة ، وعكسه ، ولا يشترط المخيط ، بل يجوز دفع الكرباس ، ويستحب أن يكون جديدا ، خاما كان أو مقصورا ، فإن كان ملبوسا ، نظر : إن تخرق أو ذهبت قوته لمقاربة الانمحاق ، لم يجزئه ، كالطعام المعيب ، وإن لم ينته إلى ذلك الحد أجزأه ، كالطعام العتيق ، لا يجزئ المرقع إن رقع للتخرق   [ ص: 23 ] والبلى ، إن خيط في الابتداء مرقعا لزينة وغيرها أجزأه ، ولو كساه ثوبا لطيفا ، مهلهل النسج غير بال في جنسه ، لكن مثله إذا لبس لا يدوم ، إلا بقدر ما يدوم الثوب البالي ، قال الإمام : يظهر أنه لا يجزئ لضعف النفع فيه ، وأما الجنس فيجزئ المتخذ من صوف وشعر وقطن وكتان وقز وإبريسم ، سواء كان المدفوع إليه رجلا لا يحل له لبسه ، أو امرأة ، وفي الرجل وجه تضعيف ، وسواء في كل جنس ، الجيد والرديء والمتوسط ، وللقاضي حسين احتمال في اشتراط الكسوة الغالبة في البلد ، كالطعام ، وفي الدرع والمكعب وهو المداس والنعل والجوارب والخف والقلنسوة والتبان وهو سراويل قصيرة لا تبلغ الركبة ، فوجهان : أصحهما : المنع لعدم اسم الكسوة ، والثاني : الإجزاء ، لإطلاق اسم اللبس ، ومنهم من قطع بالمنع في الخف والنعل والجوارب ، ولا تجزئ المنطقة والخاتم قطعا ، وكذا التكة على المذهب ، وفي " جمع الجوامع "  للروياني     : طرد الخلاف فيها ، قال  الصيدلاني     : ويجزئ قميص اللبد في بلد جرت عادة غالب الناس أو نادرهم بلبسه    . 
قلت : قال  الدارمي     : فإن دفع ما لا يعتاد لبسه كجلود ونحوها  ، لم يجزئه . - والله أعلم - . 
الطرف الثالث : فيمن تلزمه الكفارة ، وهو كل مكلف حنث في يمينه ، سواء فيه الحر والعبد ، والمسلم والكافر ، فإن مات قبل إخراجها  ، أخرجت من تركته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					