باب . 
زكاة الفطر    . 
هي واجبة ، وقال  ابن اللبان  من أصحابنا : غير واجبة . 
قلت : قول  ابن اللبان  شاذ منكر ، بل غلط صريح . والله أعلم . 
 [ ص: 292 ] وفي وقت وجوبها  أقوال . 
أظهرها وهو الجديد : تجب بغروب الشمس ليلة العيد ، والثاني : وهو القديم : تجب بطلوع الفجر يوم العيد ، والثالث : تجب بالوقتين معا ، خرجه صاحب التلخيص واستنكره الأصحاب ، فلو ملك عبدا ، أو أسلم عبده الكافر ، أو نكح امرأة ، أو ولد له ولد ليلة العيد  ، لم تجب فطرتهم على الجديد ، وعلى المخرج ، وتجب على القديم . 
ولو مات ولده أو عبده ، أو زوجته ، أو طلقها بائنا ليلة العيد  ، أو ارتد العبد ، أو الزوجة ، لم تجب على القديم والمخرج ، وتجب على الجديد ، وكذا الحكم لو أسلم الكافر قبل الغروب ، ومات بعده . ولو حصل الولد أو الزوجة ، أو العبد بعد الغروب ، وماتوا قبل الفجر ، فلا فطرة على الأقوال كلها . 
ولو زال الملك في العبد بعد الغروب وعاد قبل الفجر ، وجبت على الجديد والقديم . 
وأما على المخرج ، فوجهان كالوجهين في أن الواهب هل يرجع في ما زال ملك المتهب عنه ثم عاد إليه ؟ ولو باع العبد بعد الغروب واستمر ملك المشتري ، فعلى الجديد : الفطرة على البائع ، وعلى القديم : على المشتري ، وعلى المخرج : لا تجب على واحد منهما ، ولو مات مالك العبد ليلة العيد ، فعلى الجديد : الفطرة في تركته ، وعلى القديم : تجب على الوارث ، وعلى المخرج : لا فطرة أصلا ، وفيه وجه : أنها تجب على الوارث على هذا القول بناء على القديم أن الوارث يبنى على حول الموروث . 
فصل 
الفطرة يجوز تعجيلها من أول شهر رمضان  على المذهب . وتقدم بيانه في باب التعجيل ، فإذا لم يعجل ، فيستحب أن لا يؤخر إخراجها عن صلاة العيد ، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد ، فإن أخر قضى . 
 [ ص: 293 ] فصل 
الفطرة قد يؤديها عن نفسه ، وقد يؤديها عن غيره . وجهات التحمل ثلاث : الملك ، والنكاح ، والقرابة    . وكلها تقتضي وجوب الفطرة  في الجملة ، فمن لزمه نفقة بسبب منها لزمه فطرة المنفق عليه ، ولكن يشترط في ذلك أمور ، ويستثنى عنه صور ، منها : متفق عليه . ومنها : مختلف فيه ، ستظهر بالتفريع إن شاء الله تعالى . 
وقال  ابن المنذر  من أصحابنا : تجب فطرة الزوجة  في مالها ، لا على الزوج . فمن المستثنى : أن الابن تلزمه نفقة زوجة أبيه ، تفريعا على المذهب في وجوب الإعفاف ، وفي وجوب فطرتها عليه وجهان . 
أصحهما عند   الغزالي  في طائفة : وجوبها . وأصحهما عند صاحبي " التهذيب " و " العدة " وغيرهما : لا تجب . 
قلت : هذا الثاني هو الأصح ، وجزم  الرافعي  في المحرر بصحته . والله أعلم . 
ويجري الوجهان في فطرة مستولدته . ثم من عدا الأصول والفروع من الأقارب ، كالإخوة والأعمام : لا تجب فطرتهم ، كما لا تجب نفقتهم . وأما الأصول والفروع ، فإن كانوا موسرين ، لم تجب نفقتهم ، وإلا فكل من جمع منهم إلى الإعسار الصغر ، أو الجنون ، أو الزمانة وجبت نفقته ، ومن تجرد في حقه الإعسار ، ففي نفقته قولان . 
ومنهم من قطع بالوجوب في الأصول . وحكم الفطرة حكم النفقة اتفاقا واختلافا . إذا ثبت هذا ، فلو كان الابن الكبير في نفقة أبيه ، فوجد قوته ليلة العيد ويومه فقط ، لم تجب فطرته على الأب لسقوط نفقته ، ولا على الابن ، لإعساره . 
وإن كان الابن صغيرا ، والمسألة بحالها ، ففي سقوط الفطرة عن الأب وجهان . أصحهما : السقوط كالكبير ، والثاني : لا تسقط لتأكدها . 
 [ ص: 294 ] فرع 
الفطرة الواجبة على الغير ، هل تلاقي المؤدى عنه ، ثم يتحمل عنه المؤدي ، أم تجب على المؤدي ابتداء ؟  فيه خلاف . 
يقال : وجهان . ويقال : قولان مخرجان . أصحهما : الأول . 
ثم الأكثرون طردوا الخلاف في كل مؤد عن غيره من الزوج والسيد والقريب . 
قال الإمام : وقال طوائف من المحققين : هذا الخلاف في فطرة الزوجة  فقط . أما فطرة المملوك والقريب  ، فتجب على المؤدي ابتداء قطعا ، لأن المؤدى عنه ، لا يصلح للإيجاب لعجزه . 
ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل ، فهو كالضمان ، أم كالحوالة ؟ قولان حكاهما  أبو العباس الروياني  في " المسائل الجرجانيات " فلو كان الزوج معسرا ، والزوجة أمة ، أو حرة موسرة ، فطريقان . 
أصحهما : فيهما قولان بناء على الأصل المذكور . إن قلنا : الوجوب يلاقي المؤدى عنه أولا ، وجبت الفطرة على الحرة وسيد الأمة ، وإلا فلا تجب على أحد ، والطريق الثاني : تجب على سيد الأمة ، ولا تجب على الحرة ، وهو المنصوص . والفرق ، كمال تسليم الحرة نفسها ، بخلاف الأمة . 
قلت : الطريق الثاني : أصح . والله أعلم . 
أما إذا نشزت ، فتسقط فطرتها عن الزوج قطعا . 
قال الإمام : والوجه عندي القطع بإيجاب الفطرة عليها وإن قلنا : لا يلاقيها الوجوب ، لأنها بالنشوز خرجت عن إمكان التحمل . ولو كان زوج الأمة موسرا ، ففطرتها كنفقتها ، وبيانها في بابها . 
وأما خادم الزوجة  ، فإن كانت مستأجرة ، لم تجب فطرتها ، وإن كانت من إماء الزوج ، فعليه فطرتها ، وإن كانت من إماء الزوجة ، والزوج ينفق عليها ، لزمها فطرتها ، لأنه يمونها ، نص عليه   الشافعي     - رحمه الله - في المختصر وقال الإمام : الأصح عندي : أنها لا تلزمه . 
 [ ص: 295 ] فرع 
لو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج بغير إذنه  ، ففي إجزائها وجهان . 
إن قلنا : الزوج متحمل ، أجزأ ، وإلا ، فلا ، ويجري الوجهان فيما لو تكلف من فطرته على قريبه ، باستقراض أو غيره ، وأخرج بغير إذنه . والمنصوص في " المختصر " : الإجزاء . 
ولو أخرجت الزوجة أو القريب بإذن من عليه ، أجزأ بلا خلاف ، بل لو قال الرجل لغيره : أد عني فطرتي ، ففعل  ، أجزأه ، كما لو قال : اقض ديني . 
فرع 
تجب فطرة الرجعية  كنفقتها . وأما البائن : فإن كانت حائلا ، فلا فطرة ، كما لا نفقة ، وإن كانت حاملا ، فطريقان . 
أحدهما : تجب كالنفقة ، وهذا هو الراجح عند  الشيخ أبي علي  ، والإمام ،   والغزالي  ، والثاني وبه قطع الأكثرون : أن وجوب الفطرة مبني على الخلاف في أن النفقة للحامل ، أم للحمل ؟ إن قلنا بالأول ، وجبت ، وإلا ، فلا ، لأن الجنين لا تجب فطرته . 
هذا إذا كانت الزوجة حرة ، فإن كانت أمة  ، ففطرتها بالاتفاق مبنية على ذلك الخلاف . فإن قلنا : النفقة للحمل ، فلا فطرة ، كما لا نفقة ، لأنه لو برز الحمل ، لم تجب نفقته على الزوج ، لأنه ملك سيدها ، وإن قلنا : للحامل ، وجبت ، وسواء رجحنا الطريق الأول أو الثاني ، فالمذهب : وجوب الفطرة ، لأن الأظهر : أن النفقة للحامل .   [ ص: 296 ] فرع 
لا تجب على المسلم فطرة عبده  ، ولا زوجته ، ولا قريبه ، الكفار . 
فرع 
تجب فطرة العبد المشترك  ، وفطرة من بعضه حر . فإن لم يكن مهايأة ، فالوجوب عليهما ، وإن كانت مهايأة بين الشريكين ، أو بين السيد ومن بعضه حر ، فهل تختص الفطرة بمن وقع زمن الوجوب في نوبته ، أم توزع بينهما ؟ يبنى ذلك على أن الفطرة هل هي من المؤن النادرة ، أم من المتكررة ، وأن النادرة هل تدخل في المهايأة ، أم لا ؟ وفي الأمرين خلاف . 
فأما الأول ، فالمذهب : أن الفطرة من النادرة ، وبه قطع الجمهور . وقيل : فيها وجهان . وأما الثاني : ففيه وجهان مشهوران . أصحهما : دخول النادر . 
فرع 
المدبر ، وأم الولد ، والمعلق عتقه على صفة  ، تجب فطرتهم على السيد ، وتجب فطرة المرهون ، والجاني ، والمستأجر    . 
وقال   إمام الحرمين   والغزالي     : يحتمل أن يجري في المرهون الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون ، وهذا الذي قالاه ، لا نعرفه لغيرهما ، بل قطع الأصحاب بالوجوب هنا وهناك . 
وأما العبد المغصوب والضال  ، فالمذهب : وجوب فطرته . وقيل : قولان ، كزكاة المغصوب . 
وطرد  ابن عبدان  هذا الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته وقت الوجوب . وأما العبد   [ ص: 297 ] الغائب ، فإن علم حياته وكان في طاعته ، وجبت فطرته ، وإن كان آبقا ، ففيه الطريقان ، كالمغصوب . وإن كان لم يعلم حياته ، وانقطع خبره مع تواصل الرفاق ، فطريقان . 
أحدهما : القطع بوجوبها ، والثاني : على قولين . والمذهب : على الجملة وجوبها . 
والمذهب : أن هذا العبد لا يجزئ عتقه عن الكفارة . ثم إذا أوجبنا الفطرة في هذه الصور ، فالمذهب : وجوب إخراجها في الحال . ونص في " الإملاء " على قولين فيه . 
فرع 
العبد ينفق على زوجته من كسبه ، ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة  ، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه ، فكيف يحمل عن غيره ؟ بل تجب على الزوجة فطرة نفسها إن كانت حرة ، وعلى السيد إن كانت أمة على المذهب فيهما . 
وقيل : فيهما القولان السابقان فيما إذا كان الزوج حرا معسرا . 
ولو ملك السيد عبده شيئا ، وقلنا : يملكه ، لم يكن له إخراج فطرة زوجته استقلالا ، لأنه ملك ضعيف ، فلو صرح في الإذن بالصرف إلى هذه الجهة 
[ فوجهان ] . 
فإن قلنا : له ذلك ، فليس للسيد الرجوع عن الإذن بعد دخول الوقت ، لأن الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له . 
فرع 
إذا أوصى بمنفعة عبد لرجل ، وبرقبته لآخر  ، ففطرته على الموصى له بالرقبة قطعا . وهل تجب نفقته عليه ، أم على الآخر ، أو في بيت المال ؟ 
[ فيه ] ثلاثة أوجه . 
قلت : الأصح : أنها على مالك الرقبة ، وأن الفطرة كالنفقة وهي معادة في الوصية . والله أعلم . 
 [ ص: 298 ] وعبد بيت المال ، والموقوف على مسجد ، لا فطرة فيهما على الصحيح . 
والموقوف على رجل بعينه ، المذهب : أنه إن قلنا : الملك في رقبته للموقوف عليه ، فعليه فطرته . وإن قلنا : لله تعالى ، فوجهان . وقيل : لا فطرة فيه قطعا ، وبه قطع في " التهذيب " . 
قلت : الأصح : لا فطرة إذا قلنا : لله تعالى . والله أعلم . 
فرع 
إذا مات المؤدى عنه بعد دخول الوقت وقبل إمكان الأداء  ، لم تسقط الفطرة على الأصح . وبه قطع في " الشامل " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					