المسألة الثانية : في قدر المعطى ، فالمكاتب والغارم  ، يعطيان قدر دينهما ، فإن قدرا على بعضه ، أعطيا الباقي . والفقير والمسكين يعطيان ما تزول به حاجتهما ، وتحصل كفايتهما . 
ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي ، فالمحترف الذي لا يجد آلة حرفته ، يعطى ما يشتريها به قلت قيمتها ، أو كثرت . 
والتاجر يعطى رأس مال ليشتري ما يحسن التجارة فيه ، ويكون قدر ما يفي ربحه بكفايته غالبا ، وأوضحوه بالمثال فقالوا : البقلي يكتفي بخمسة دراهم ، والباقلاني بعشرة ، والفاكهي بعشرين ، والخباز بخمسين ، والبقال بمائة ، والعطار بألف ، والبزاز بألفي درهم ، والصيرفي بخمسة آلاف ، والجوهري بعشرة آلاف . 
فرع 
من لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة  ، قال العراقيون وآخرون : يعطى كفاية العمر الغالب . وقال آخرون ، منهم   الغزالي  والبغوي     : يعطى كفاية سنة ، لأن الزكاة تتكرر كل سنة . 
قلت : وممن قطع بالمسألة صاحب " التلخيص " ، والرافعي في " المحرر " ، ولكن الأصح ما قاله العراقيون ، وهو نص   الشافعي     - رضي الله عنه - ، ونقله   الشيخ نصر المقدسي  عن جمهور أصحابنا ، قال : وهو المذهب . والله أعلم . 
 [ ص: 325 ] وإذا قلنا : يعطى كفاية العمر ، فكيف طريقه ؟ قال في التتمة وغيره : يعطى ما يشتري به عقارا يستغل منه كفايته . 
ومنهم من يشعر كلامه بأنه يعطى ما ينفق عينه في حاجاته ، والأول أصح . 
فرع 
وأما ابن السبيل  ، فيعطى ما يبلغه مقصده ، أو موضع ماله إن كان له في طريقه مال ، فيعطى النفقة والكسوة إن احتاج إليهما بحسب الحال شتاء وصيفا ، ويهيأ له المركوب إن كان السفر طويلا والرجل ضعيفا لا يستطيع المشي . 
وإن كان السفر قصيرا ، أو الرجل قويا ، لم يعط ، ويعطى ما ينقل زاده ومتاعه ، إلا أن يكون قدرا يعتاد مثله أن يحمله بنفسه ، ثم قال  السرخسي  في " الأمالي " : إن كان ضاق المال ، أعطي كراء المركوب . وإن اتسع ، اشتري له مركوب . 
فإذا تم سفره ، استرد منه المركوب على الصحيح الذي قاله الجمهور . ثم كما يعطى لذهابه ، يعطى لإيابه إن أراد الرجوع ولا مال له في مقصده . هذا هو الصحيح . 
وفي وجه : لا يعطى للرجوع في ابتداء السفر ، لأنه سفر آخر ، وإنما يعطى إذا أراد الرجوع ، ووجه ثالث : أنه إن كان على عزم أنه يصل الرجوع بالذهاب ، أعطي للرجوع أيضا . 
وإن كان على أن يقيم هناك مدة ، لم يعط ، ولا يعطى لمدة الإقامة إلا مدة إقامة المسافرين ، بخلاف الغازي ، حيث يعطى للمقام في الثغر وإن طال ، لأنه قد يحتاج إليه لتوقع فتح الحصن ، وإنه لا يزول عنه الاسم لطول المقام ، هذا هو الصحيح . 
وعن صاحب " التقريب " ، أنه إن أقام لحاجة يتوقع زوالها ، أعطي وإن زادت إقامته على إقامة المسافرين . 
 [ ص: 326 ] فرع 
هل يدفع إلى ابن السبيل جميع كفايته ، أو ما زاد بسبب السفر ؟ وجهان . أصحهما : الأول . 
فرع 
وأما الغازي  ، فيعطى النفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع ، ومدة المقام في الثغر وإن طال . وهل يعطى جميع المؤنة ، أم ما زاد بسبب السفر ؟ فيه الوجهان كابن السبيل ، ويعطى ما يشتري به الفرس إن كان يقاتل فارسا ، وما يشتري به السلاح وآلات القتال ، ويصير ذلك ملكا له . 
ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح . ويختلف الحال بحسب كثرة المال وقلته . وإن كان يقاتل راجلا ، فلا يعطى لشراء الفرس . وأما ما يحمل عليه الزاد ويركبه في الطريق ، فكابن السبيل . 
فرع 
إنما يعطى الغازي إذا حضر وقت الخروج ، ليهيئ به أسباب سفره . فإن أخذ ولم يخرج ، فقد سبق أنه يسترد . 
فإن مات في الطريق ، أو امتنع من الغزو ، استرد ما بقي ، وإن غزا فرجع ومعه بقية ، فإن لم يقتر على نفسه ، وكان الباقي شيئا صالحا ، رده . وإن قتر على نفسه أو لم يقتر ، إلا أن الباقي شيء يسير ، لم يسترد قطعا . 
وفي مثله في ابن السبيل ، يسترد على الصحيح ، لأنا دفعنا إلى الغازي لحاجتنا ، وهي أن يغزو وقد فعل ، وفي ابن السبيل يدفع لحاجته وقد زالت . 
 [ ص: 327 ] فرع 
في بعض شروح " المفتاح " : أنه يعطى الغازي نفقته ونفقة عياله ذهابا ومقاما ورجوعا . وسكت الجمهور عن نفقة العيال ، لكن أخذها ليس ببعيد . 
فرع 
للإمام الخيار ، إن شاء دفع الفرس والسلاح إلى الغازي تمليكا ، وإن شاء استأجر له مركوبا  ، وإن شاء اشترى خيلا من هذا السهم ووقفها في سبيل الله تعالى ، فيعيرهم إياها وقت الحاجة ، فإذا انقضت استرد . 
وفيه وجه : أنه لا يجوز أن يشتري لهم الفرس والسلاح قبل وصول المال إليهم . 
فرع 
وأما المؤلف ، فيعطى ما يراه الإمام . قال  المسعودي     : يجعله على قدر كلفتهم وكفايتهم . 
فرع 
وأما العامل  ، فاستحقاقه بالعمل ، حتى لو حمل صاحب الأموال زكاتهم إلى الإمام ، أو إلى البلد قبل قدوم العامل ، فلا شيء له ، كما يستحق أجرة المثل لعمله . فإن شاء الإمام بعثه بلا شرط ثم أعطاه أجرة مثل عمله ، وإن شاء سمى له قدر   [ ص: 328 ] أجرته إجارة أو جعالة ، ويؤديه من الزكاة . ولا يستحق أكثر من أجرة المثل . فإن زاد ، فهل تفسد التسمية ، أم يكون قدر الأجرة من الزكاة والزائد في خالص مال الإمام ؟ فيه وجهان . 
قلت : أصحهما : الأول . والله أعلم . 
فإن زاد سهم العاملين على أجرته  ، رد الفاضل على سائر الأصناف . وإن نقص ، فالمذهب : أنه يكمل من مال الزكاة ثم يقسم . 
وفي قول : من خمس الخمس ، وقيل : يتخير الإمام بينهما بحسب المصلحة ، وقيل : إن بدأ بالعامل كمله من الزكاة ، وإلا فمن الخمس لعسر الاسترداد من الأصناف . 
وقيل : إن فضل عن حاجة الأصناف ، فمن الزكاة ، وإلا ، فمن بيت المال . والخلاف في جواز التكميل من الزكاة ، واتفقوا على جواز التكميل من سهم المصالح مطلقا ، بل لو رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل كلها في بيت المال ، جاز ، ويقسم الزكاة على سائر الأصناف . 
فرع 
إذا اجتمع في شخص صفتان ، فهل يعطى بهما ، أم بأحدهما فقط ؟ فيه طرق . أصحها : على قولين . 
أظهرهما : بإحداهما ، فيأخذ بأيتهما شاء . والطريق الثاني : القطع بهذا . والثالث : إن اتحد جنس الصفتين ، أعطي بإحداهما ، وإن اختلف فيهما ، فيعطى بهما . 
فالاتحاد ، كالفقر مع الغرم لمصلحة نفسه ، لأنهما يأخذان لحاجتهما إلينا . وكالغرم للإصلاح مع الغزو ، فإنهما لحاجتنا إليهما . والاختلاف ، كالفقر والغزو . فإن قلنا بالمنع ، فكان العامل فقيرا ، فوجهان . بناء على أن ما يأخذه العامل أجرة ، لأنه إنما يستحق بالعمل ، أم صدقة لكونه معدودا في الأصناف ؟ وفيه وجهان . 
وإذا جوزنا الإعطاء بمعنيين ، جاز بمعان ، وفيه احتمال  للحناطي     . 
 [ ص: 329 ] قلت : قال  الشيخ نصر     : إذا قلنا : لا يعطى إلا بسبب ، فأخذ بالفقر ، كان لغريمه أن يطالبه بدينه ، فيأخذ ما حصل له . وكذا إن أخذه بكونه غارما ، فإذا بقي بعد أخذه منه فقيرا ، فلا بد من إعطائه من سهم الفقراء ، لأنه الآن محتاج . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					