المسألة الرابعة : في جواز نقل الصدقة إلى بلد آخر  ، مع وجود المستحقين في بلده خلاف . وتفصيل المذهب فيه عند الأصحاب : أنه يحرم النقل ، ولا تسقط   [ ص: 332 ] به الزكاة ، وسواء كان النقل إلى مسافة القصر أو دونها ، فهذا مختصر ما يفتى به . وتفصيله ، أن في النقل قولين . أظهرهما : المنع . 
وفي المراد بهما ، طرق . أصحها : أن القولين في سقوط الفرض ، ولا خلاف في تحريمه ، والثاني : أنهما في التحريم والسقوط معا ، والثالث : أنهما في التحريم ، ولا خلاف أنه يسقط . 
ثم قيل : هما في النقل إلى مسافة القصر فما فوقها ، فإن نقل إلى دونها ، جاز ، والأصح : طرد القولين . 
قلت : وإذا منعنا النقل ، ولم نعتبر مسافة القصر ، فسواء نقل إلى قرية بقرب البلد ، أم بعيدة . صرح به صاحب " العدة " وهو ظاهر . والله أعلم . 
فرع 
إذا أوصى للفقراء والمساكين وسائر الأصناف ، أو وجب عليه كفارة ، أو نذر  ، فالمذهب في الجميع جواز النقل ، لأن الأطماع لا تمتد إليها امتدادها للزكاة . 
فرع 
صدقة الفطر  كسائر الزكوات في جواز النقل ومنعه ، وفي وجوب استيعاب الأصناف ، فإن شقت القسمة ، جمع جماعة فطرتهم ثم قسموها . وقال  الإصطخري     : يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء ، ويروى : من الفقراء والمساكين . 
ويروى : من أي صنف اتفق . واختار   أبو إسحاق الشيرازي  ، جواز الصرف إلى واحد . 
قلت : اتفق أصحابنا المتأخرون أو جماهيرهم : على أن مذهب  الإصطخري  ، جواز الصرف إلى ثلاثة من المساكين والفقراء . 
قال أكثرهم : وكذلك يجوز   [ ص: 333 ] عنده الصرف إلى ثلاثة من أي صنف كان . وصرح  المحاملي  والمتولي     : بأنه لا يجوز عنده الصرف إلى غير المساكين والفقراء . قال  المتولي     : ولا يسقط الفرض ، واختار  الروياني  في الحلية صرفها إلى ثلاثة . وحكي اختياره عن جماعة من أصحابنا . والله أعلم . 
فرع 
حيث جاز النقل أو وجب ، فمؤنته على رب المال ، ويمكن تخريجه على الخلاف السابق في أجرة الكيال . 
فرع 
الخلاف في جواز النقل وتفريعه ، ظاهر فيما إذا فرق رب المال زكاته . أما إذا فرق الإمام ، فربما اقتضى كلام الأصحاب طرد الخلاف فيه ، وربما دل على جواز النقل له ، والتفرقة كيف شاء ، وهذا أشبه . 
قلت : قد قال صاحب " التهذيب " والأصحاب : يجب على الساعي نقل الصدقة إلى الإمام إذا لم يأذن له في تفريقها ، وهذا نقل . والله أعلم . 
فرع 
لو كان المال ببلد ، والمالك ببلد  ، فالاعتبار ببلد المال ، لأنه سبب الوجوب ، ويمتد إليه نظر المستحقين ، فيصرف العشر إلى فقراء بلد الأرض ، حتى حصل   [ ص: 334 ] منها المعشر ، وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى فقراء البلد الذي تم فيه حولها ، فإن كان المال عند تمام الحول في بادية ، صرف إلى فقراء أقرب البلاد إليه . 
قلت : ولو كان تاجرا مسافرا  ، صرفها حيث حال الحول . والله أعلم . 
ولو كان ماله في مواضع متفرقة  ، قسم زكاة كل طائفة من مال ببلدها ، ما لم يقع تشقيص ، فإن وقع ، بأن ملك أربعين من الغنم ، عشرين ببلد ، وعشرين بآخر ، فأدى شاة في أحد البلدين . 
قال   الشافعي     - رحمه الله - : كرهته ، وأجزأه . وهذا هو المذهب ، وقطع به جمهور الأصحاب . سواء جوزنا نقل الصدقة ، أم لا . 
وقال  أبو حفص ابن الوكيل     : هذا جائز ، إن جوزنا نقل الصدقة ، وإلا فيؤدي في كل بلد نصف شاة . والصواب : الأول . وعللوه بعلتين . 
إحداهما : أن له في كل بلد مالا ، فيخرج فيها شاة منها ، والثانية : أن الواجب شاة ، فلا تشقيص . ويتفرع عليهما ، ما لو ملك مائة ببلد ، ومائة ببلد آخر ، فعلى الأول ، له إخراج الشاتين في أيهما شاء ، وعلى الثاني : لا يجزئه ذلك ، وهو الأصح . 
وأما زكاة الفطر ، إذا كان ماله ببلد ، وهو بآخر ، فأيهما يعتبر ؟ وجهان . أصحهما : ببلد المالك . 
قلت : ولو كان له من تلزمه فطرته وهو ببلد ، فالظاهر أن الاعتبار ببلد المؤدى عنه . وقال في " البيان " : الذي يقتضي المذهب ، أنه يبنى على الوجهين في أنها تجب على المؤدي ابتداء ، أم على المؤدى عنه فتصرف في بلد من تجب عليه ابتداء . والله أعلم . 
 [ ص: 335 ] فرع 
أرباب الأموال صنفان    . 
أحدهما : المقيمون في بلد ، أو قرية ، أو موضع من البادية فلا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا ، فعليهم صرف زكاتهم إلى من في موضعهم من الأصناف ، سواء فيه المقيمون والغرباء . 
الثاني : أهل الخيام المنتقلون من بقعة إلى بقعة ، فينظر ، إن لم يكن لهم قرار ، بل يطوفون البلاد أبدا ، صرفوها إلى من معهم من الأصناف . فإن لم يكن معهم مستحق ، نقلوه إلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحول . 
وإن كان لهم موضع يسكنونه وربما انتقلوا عنه منتجعين ثم عادوا إليه ، فإن لم يتميز بعضهم عن بعض في الماء والمرعى ، صرفوها إلى من هو دون مسافة القصر من موضع المال . 
والصرف إلى الذين يقيمون من هؤلاء بإقامتهم ويظعنون بظعنهم أفضل لشدة جوارهم . وإن تميزت الحلة عن الحلة ، وانفرد بالماء والمرعى ، فوجهان . 
أحدهما : أنه كغير المتميزة . وأصحهما : أن كل حلة كقرية ، فلا يجوز النقل عنها . 
فصل 
يشترط في الساعي  كونه مسلما ، مكلفا ، عدلا ، حرا ، فقيها بأبواب الزكاة . هذا إذا كان التفويض عاما ، فإن عين الإمام شيئا يأخذه ، لم يعتبر الفقه . قال  الماوردي     : وكذا لا يعتبر الإسلام والحرية . 
قلت : عدم اشتراط الإسلام ، فيه نظر . والله أعلم . 
 [ ص: 336 ] وفي جواز كون العامل هاشميا  ، أو من المرتزقة ، خلاف سبق . وفي " الأحكام السلطانية "  للماوردي     : أنه يجوز أن يفوض إلى من تحرم عليه الزكاة من ذوي القربى ، ولكن يكون رزقه من المصالح . 
وإذا قلد الأخذ وحده ، أو القسمة وحدها ، لم يتول إلا ما قلد ، وإن أطلق التقليد تولى الأمرين . 
وإنه إذا كان العامل جائزا في أخذ الصدقة ، عادلا في قسمتها ، جاز كتمها عنه ، وجاز دفعها إليه ، وإن كان عادلا في الأخذ ، جائزا في القسمة ، وجب كتمها عنه . 
فإن أخذها طوعا أو كرها ، لم تجزئ ، وعلى أرباب الأموال إخراجها بأنفسهم . وهذا خلاف ما في " التهذيب " : أنه إذا دفع إلى الإمام الجائر  ، سقط عنه الفرض ، وإن لم يوصله المستحقين ، إلا أن يفرق بين الدفع إلى الإمام وإلى العامل . 
قلت : لا فرق ، والأصح : الإجزاء فيهما . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					